كانوا في الأعراس ينثرون الحلوى وينثرون الدراهم، فيرمونها والناس تلتقطها، وكان هذا موجوداً إلى عهد قريب، والحمد لله أن هذه الأمور اندثرت وذهبت، ونسأل الله ألا يعيدها، فهي من الأمور التي لا خير فيها؛ لأنهم كانوا ينثرون الطعام وينثرون الحلوى فيتساقط الناس عليها، ويتسابقون في أخذها، فتحدث الشحناء والبغضاء والتنافس على أمور الدنيا، وتجعل بعضهم يحقد على بعض.
وكانوا ينثرون الدراهم والأموال على المدعوين الذين حضروا من باب المكافأة لهم على الحضور، فيكره هذا النثار؛ ويجوز له أن يعطي، وقيل: إنه يكره؛ لما فيه من الآثار السيئة، ويكره للإنسان أن يأخذه؛ لأنه من خوارم المروءة، فالتقاط النثار من خوارم المروءة.
وفي حكم هذا الصدقات عندما ترمى على الناس، فكره بعض أهل العلم هذا الأسلوب، ومثل أن يكون عنده ماء يريد أن يتصدق به على الناس فيرميه على الناس، أو تكون عنده أطعمة يرميها على الناس وتسقط على الأرض، ولربما تلفت إذا سقطت، ولربما ضربت الناس في رءوسهم وفي أجسادهم، وقد ترمى رمياً فيه أذية، ورميها يغري الناس بضرب بعضهم لبعض، وأذية بعضهم لبعض، فإذا جئت تنظر إلى الحسنات التي يأخذها فقد تكون السيئات وسب الناس بعضهم لبعض وشتم الناس بعضهم لبعض أعظم، كل هذا من المفاسد التي هي أعظم من المصلحة التي ترجى من وراء اليسير الذي يريد أن يسقيه الناس أو يعطيهم.
ولذلك كره العلماء مثل هذا الأسلوب، وهو في حكم النثار، إنما المنبغي أن يرتب الناس، ويعطى الأسبق فالأسبق، بطريقة تحفظ ماء وجوه الناس، وتحفظ كرامتهم، وأيضاً تدفع الضرر عنهم، ولا تكون سبباً في حصول الضرر عليهم، ولا تكون سبباً في امتهان نعمة الله عز وجل والإضرار بها.
قال رحمه الله:[ومن أخذه أو وقع في حجره فله].
ومن أخذ النثار فإنه له؛ لأنه يملك بالقبض، والهبة والعطية إذا قبضها أخذها وملكها، وهذا بإجماع العلماء كما حكاه الوزير بن هبيرة رحمه الله في كتابه الإفصاح، فالهبة تملك بالقبض.
قال أبو بكر رضي الله عنه:(يا عائشة! أي بنتاه! إني كنت قد نحلتك من مالي بالغابة، ولو أنك قبضتيه لكان ملكاً لك، أما وإنكِ لم تقبضيه فأنت اليوم وإخوتك فيه سواء)، فهذا يدل على أنه إذا لم يقبض الموهوب لا يملك.