قال رحمه الله:[وتسبيحتا الركوع والسجود] هذان واجبان، أي: قوله: (سبحان ربي العظيم) في الركوع، وقوله:(سبحان ربي الأعلى) في السجود، وأما دليل وجوب التسبيح في الركوع فإنه لما نزل قوله تعالى:{فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ}[الواقعة:٧٤] قال عليه الصلاة والسلام: (اجعلوها في ركوعكم)، فإن قوله:(اجعلوها) أمر، والقاعدة تقول: الأمر يدل على الوجوب إلا إذا قام الدليل على صرفه.
فوَجَب على المكلف أن يمتثل هذا الأمر على سبيل اللزوم، وبناءً على ذلك فإذا ترك التسبيح لا يخلو من حالتين: إما أن يتركه ناسياً، وإما أن يتركه متعمِّداً، فإن ترك تسبيح الركوع أو تسبيح السجود متعمداً فإنه تبطل صلاته إماماً كان أو منفرداً أو مأموماً، سواءٌ أكان في فريضة أم نافلة، وإن تركه ناسياً فإنه إن كان وراء إمام قلنا: حمل الإمام عنه التسبيح، كأن يكون نسي، أو اقتصر على تعظيم الله عز وجل بغير التسبيح سهواً ونسياناً، أو ركع ولم يتكلم لمكان السهو، فرفع الإمام ولم يتدارك التسبيح، فحينئذٍ نقول: هذا السهو وراء الإمام يَحمِله الإمام عنه؛ لأن الإمام ضامن، وإن كان إماماً أو منفرداً فإنه يسجد للسهو.
وأما التسبيح في السجود فالدليل على وجوبه في السجود ما ثبت في الحديث الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام أنه لما نزل قوله تعالى:{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى}[الأعلى:١] قال: (اجعلوها في سجودكم)، فدل قوله:(أجعلوها) على الأمر، والأمر يقتضى الوجوب، وبناءً على ذلك يجب على المكلف أن يقول:(سبحان ربي الأعلى) في السجود، وأن يقول:(سبحان ربي العظيم) في الركوع، فلو أبدل اللفظين فجعل (سبحان ربي الأعلى) في ركوعه، و (سبحان ربي العظيم) في سجوده، فإنه إن تَقصَّد وتعمَّد فقد أساء، وذلك لمخالفته للسنة.
وأما بطلان صلاته فالذي يظهر أن التسبيح قد حصل، ولذلك كان صلى الله عليه وسلم في ركوعه يقول:(سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي)، فدل على أن قوله:(أما الركوع فعظموا فيه الرب) يشمل التسبيح الذي يكون للسجود، ويكون اختلاف التسبيحين تنوعاً لا يُوجِب بطلان الصلاة بترك التسبيح المأمور به في الأصل، وبناءً على ذلك يجزيه، ولكن لا يخلو من الإثم لمكان التعمد بالعصيان، وأما لو تَرَك ذلك سهواً فإنه يُجزيه ويصح منه، ولا يُلزَم بسجود السهو، وإن سجد للسهو فحسن.