للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[التوفيق بين سنة الجهر بالتلبية وسنة إخفاء الدعاء]

السؤال

كيف نوفق بين قول النبي صلى الله عليه وسلم حين أمره جبريل عليه السلام بأن يأمر أصحابه أن يرفعوا أصواتهم في التلبية، وبين قوله عليه الصلاة والسلام: (أيها الناس أربعوا على أنفسكم، إنكم لا تدعون أصم ولا غائباً)؟

الجواب

الأصل في الدعاء وذكر الله عز وجل أن يكون بين العبد وربه، فهو أقرب للإخلاص، وبيّن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله: (أيها الناس أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائباً)، فهذا يدل على أن السنة أن يخفض صوته وأن لا يرفعه، هذا أصل عام، وقد ورد التخصيص، والقاعدة: أنه لا تعارض بين عام وخاص، فاستثني منه ذكر الحج بالتلبية؛ لشرف هذه العبادة وفضلها وعظيم ما فيها من التقرب إلى الله سبحانه وتعالى، وكون هذا العبد وافداً على الله وضيفاً على الله، يرجو رحمته ويخشى عذابه، مجيباً لداعيه، فإنه شرف بأن يكون حاله وأن يكون مقاله واضحاً بيّناً للناس، ولذلك حتى الهدي إذا أهدي للبيت فإنه يشعر ويقلد وتكون عبادة واضحة أمام الناس؛ تشريفاً لهذه العبادات وتكريماً، وإظهاراً لحرمات الله وشعائره، ولذلك قال تعالى: {وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا} [المائدة:٢].

فشرف الله عز وجل هذه العبادة، حيث إن الإنسان يقدم على بيت الله عز وجل تائباً منيباً يرجو رحمته ويخشى عذابه، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم في شرف هذه العبادة وفضلها: (من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه)، وهذا يدل على فضل هذه الشعيرة وعلو منزلتها، فكونه يرفع صوته بها فإن هذا لا يقدح في الأصل؛ لأنه لا تعارض بين عام وخاص، كما أن الإمام يجهر بقراءته في صلاته، ونحو ذلك من الأذكار التي شرع رفع الصوت فيها، سواء كان في عبادة مخصوصة أو كان مطلقاً.

والله تعالى أعلم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>