قال رحمه الله:[وإن قلع الأعور عين الصحيح المماثلة لعينه الصحيحة عمداً فعليه دية كاملة ولا قصاص].
إذا جنى الأعور على صحيح العينين فقلع عينه اليمنى عمداً فعليه الدية كاملة؛ لأنه في الخطأ تجب نصف الدية ولا إشكال، لكن لو أنه اعتدى على مثل عينه، كأن تكون العين الباقية عنده هي اليمنى فقلع عين خصمه اليمنى عمداً وعدواناً، فالأصل يقتضي أن يقتص من عينه اليمنى، على مذهب طائفة من العلماء، قالوا: لأنه اعتدى، والله أمرنا بالقصاص، فيجب أن نقلع عينه كما قلع عين غيره؛ لأنه هو الذي تسبب بالضرر على نفسه وهو الذي رغب لنفسه بهذا، وذلك بالاعتداء عمداً وعدواناً على أخيه المسلم، وقد أُثر عن عمر وعثمان رضي الله عنهما أنهما قضيا في هذا، لكن قالوا: لو أن المجني عليه قال: لا أريد القصاص أريد الدية، يعني: أريد العوض، فللعلماء وجهان: من أهل العلم من قال: يبقى الأصل، وهو نصف الدية؛ لأنه قلع عيناً واحدة ولم يقلع عينيه، ولا يمكن أن نقول: إن عليه الدية كاملة وعينه الثانية باقية، لكن الذين أوجبوا الدية وهم الحنابلة وطائفة من أهل العلم، قالوا: لأنه فدى عينه، يعني: المفروض أن تُقلع عين الأعور، فإذا عدل إلى الدية فقد فدى عينه، فيجب أن يفدي بدية كاملة، ولذلك قالوا: الغنم بالغرم، كما أسقط الضمان عنه، وهذا من فقه الصحابة رضوان الله عليهم، وفيه إعمال للقاعدة التي ذكرناها: الغنم بالغرم، فهنا يغرم دية كاملة؛ لأنه نزلت عينه منزلة تلك العينين، بدليل أن عمر لم يقتص منه، فقالوا: لما سقط عنه القصاص كان واجباً عليه أن يضمن عينيه بالدية كاملة، فله الغنم بإسقاط القصاص عليه، هذه غنيمة ونعمة وخير له، وأيضاً عليه الغرم إن فدى هذه العين التي أنجته من القصاص أن يفديها بدية كاملة.
هذا من حيث الأثر ومن حيث النظر، وهذا مذهبهم وهو الأصل الذي اعتمدوه.
والذين قالوا: إنه لا يجب إلا نصف الدية، مذهبهم أقعد بالدليل وأعمل للأصل.