للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[ميقات أهل المدينة ذو الحليفة]

يقول المصنف عليه رحمة الله: [وميقات أهل المدينة ذو الحليفة] قد تقدم أن للحج والعمرة ميقاتين، الميقات الأول يُسمى بالميقات الزماني، والميقات الثاني يُسمى بالميقات المكاني.

وابتدأ المصنف رحمه الله ببيان الميقات المكاني، وهي أماكن حدَّها الشرع لا يجوز لمن أراد الحج أو العمرة أو هما معاً قاصداً إلى مكة أن يُجَاوِز هذه الأمكنة حتى يُحرِم منها، وقد بيَّنت السنة هذه المواقيت، وذلك في حديثين هما أشهر ما وَرَد في المواقيت، حديث عبد الله بن عمر وحديث عبد الله بن عباس رضي الله عن الجميع، بيَّن فيهما النبي صلى الله عليه وسلم المواقيت المكانية مفصَّلة.

فابتدأ المصنف رحمه الله بميقات أهل المدينة، والأصل فيه قوله عليه الصلاة والسلام: (يهل أهل المدينة من ذي الحليفة)، وهذا حديث عبد الله بن عمر في الصحيحين وحديث عبد الله بن عباس: (وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدنية ذا الحليفة).

والحلَيْفَة: واحدة الحَلفَى، وهو نوع من الشجر، والسبب في ذلك أن هذا الوادي -وهو ذو الحليفة- كانت فيه شجرة، أي في وسطه، وقيل إنه كان يكثر فيه هذا النوع من الشجر، وهو الوادي الذي يسمى في المدينة بوادي العقيق، ويسمى في عرف العامة اليوم وادي عُروة؛ لأن عروة بن الزبير رحمه الله كانت له مزارع في هذا الوادي، وهذا الوادي ثبت في الصحيح من حديث عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم وصف هذا الوادي بكونه مباركاً، قال عليه الصلاة والسلام كما في الصحيح: (أتاني الليلة آتٍ من ربي، فقال: صلِّ في هذا الوادي المبارك، وقل: عمرة في حجة)، فأهلَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم منه فاجتمعت السنة القولية والسنة الفعلية على اعتبار ميقات المدينة وهو ذو الحليفة، وهذا الميقات هو أبعد المواقيت عن مكة، ولذلك يبعد عنها فوق عشر مراحل، وبينه وبين مكة ما لا يقل عن عشرة أيام بسير الإبل في الأزمنة الماضية.

ويقع هذا الوادي أو المِهَل الذي أَهَلّ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم بحذاء جبل عَيْر، فيَحُدُّ هذا الوادي من الجهة الشرقية إلى الجهة الجنوبية جبل عَيْر وهو آخر حدود المدينة، كما قال صلى الله عليه وسلم: (ما بين عير إلى ثور)، فهذا الجبل المعترض وهو جبل عير، يكون طرفه مشرفاً على وادي العقيق وعلى المِهَل مِهَل رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يسميه الناس اليوم بأبيار علي.

وهذا الميقات أجمع العلماء رحمهم الله على أنه ميقات أهل المدينة، ومن مر من غير أهل المدينة بالمدينة وفي نيته أن يحج أو في نيته أن يعتمر أو في نيته أن يجمع بين الحج والعمرة فيقرنهما معاً؛ أنه يجب عليه أن يهل من المدينة إلا الشامي فلهم فيه تفصيل.

<<  <  ج:
ص:  >  >>