(ومتى) هذا بالنسبة للزمان، متى قمتِ فأنتِ طالق، فإنه متى وجد القيام وفي زمان القيام يحكم بطلاقها، وهناك فرق بين قوله: متى قمتِ فأنتِ طالق، وبين قوله: إذا قمتِ فأنتِ طالق، وقوله: إن قمتِ فأنتِ طالق، فإن متى متصلة بالزمان وهي ألصق بالزمان، ولذلك يقولون: إنها متعلقة بالحين، قال الشاعر: متى تأته تعشو إلى ضوء ناره تجد حطباً جزلاً وناراً تأججا قال بعض العلماء: إن لها وجهاً من الشرطية وإن كانت متعلقة بالحين، فكأن الشاعر يقول: في أي حين تأتيه تعشو إلى ناره تجد، وعلى هذا فإن (متى) لها اتصال بالزمان أقرب من الأداتين الماضيتين، وعليه: فإننا لا نحكم بالطلاق إلا بوجود زمان القيام، متى قامت، فتطلق في زمان القيام.
واعتد بعض العلماء بابتداء الزمان فقال: تطلق عند ابتداء قيامها، وبعضهم يقول: لا تطلق إلا في أثناء الوقت الذي هو يستغرق القيام، فيأتي فيها ما لا يأتي في صيغة إن قمت، أو إذا قمت، هل المراد الابتداء أو الانتهاء؟ لأن الظرفية في الشيء تكون داخل الظرف إما زماناً أو مكاناً، فحينئذٍ يكون طلاقها في ظرف الوقت الذي فيه القيام، وعلى هذا: يشمل ما بين الابتداء والانتهاء، فهي في الوسطية أقرب منها من قوله: إذا قمت، أو إن قمت، فهو إذا قال لها: إن قمتِ فأنتِ طالق.
يحتمل أن يكون مراده: إن قمتِ وتم قيامكِ فأنتِ طالق، ويحتمل أن يكون مراده: إن قمتِ، أي: بمجرد القيام.
والسبب في هذا: أن العرب تعبر بإذا وتريد ابتداء الشيء، وتريد انتهاء الشيء، وتريد أثناء الشيء، فهي ثلاثة أحوال: ابتداء الشيء، إما عند ابتدائه أو عند إرادته كقوله تعالى:{إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ}[المائدة:٦] فإن غسل الوجه يكون عند إرادة القيام، والقيام لم يقع حقيقة، فهي لا تكون من هذا الوجه لا أثناء الفعل، ولا بعد تمام الفعل، وكذلك قول أنس رضي الله عنه كما في الصحيحين (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء يقول: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث)(كان إذا دخل الخلاء) فليس المراد أنه دخل؛ لأن هذا الذكر يشرع قبل الدخول إلى المكان المهيأ لقضاء الحاجة، فهذا من إطلاق الصيغة قبل الفعل كقوله تعالى:{فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ}[النحل:٩٨] هذا كله قبل ابتداء الفعل.
وقال بعض العلماء: إنه ليس بها قبل الشيء وإنما المراد عند وهي عند إرادة الشيء، وهذا أشبه بالمصاحب لأول الشيء.
وقد يعبر بهذه الصيغة المقتضية للشرط بما يكون أثناء الفعل، كقولك: إذا أذنت فترسل، وإذا أقمت فاحدر، وكقولك: إذا قرأت القرآن فرتل، فإن الترتيل لا يكون قبل القراءة، وإنما يكون أثناء القراءة، وكقولك: إذا صليت فاطمئن، فإن الطمأنينة مصاحبة لأفعال الصلاة، وتكون من المكلف أثناء صلاته، فهذه شرطية والمراد بها ما يكون أثناء فعل الشيء، وتعبر بهذه الصيغة، وتريد ما يكون بعد تمام الشيء وكماله، فتقول: إذا صليت فائتني، أي: إذا أتممت الصلاة وفعلتها كاملة فائتني.
وعلى هذا يكون قوله: إذا قمتِ فأنتِ طالق.
هل المراد به الابتداء، أي: إذا أردت القيام؟ أم المراد: ابتداء الفعل، بمعنى: أنها شرعت في القيام وتهيأت له؟ أم المراد: تمام القيام واكتمال الانتصاب؟ كل هذا يجعل الأمر محتملاً، وقد حكى الإمام النووي رحمه الله وغيره من العلماء الوجهين: بعض العلماء يقول: إنها تطلق عند ابتداء الفعل؛ لأن الإخلال واقع بالابتداء، وابتداء الشيء والدخول في الشيء في حكم الشيء، وقد جعل الشرع ابتداء الشيء كالشيء.
وبعضهم يقول: الأصل أنها زوجته، فتبقى زوجة له حتى يتم الفعل، وحينئذٍ نحكم بطلاقها، وكلا القولين له وجهه.