كذلك يستوي أن يكون قتلهم للمكافئ أو غير المكافئ، ومثل له المصنف رحمه الله بقتل الوالد لولده، فلو كان في المحاربين أب، واشترك مع غيره في قتل ولده، فحينئذٍ يستوي أن يكون مكافئاً أو غير مكافئ؛ لأن الأصل أن الوالد لا يقتل بولده، وكذلك أيضاً لو كان المقتول عبداً والقاتل حراً.
وفرق بعض العلماء في هذه المسألة، فجعل الحكم أخف إذا كان غير مكافئ، وجعله أشد إذا كان مكافئاً، والأصل يقتضي التسوية.
وقوله:[ومن منهم قتل مكافئاً أو غيره كالولد والعبد والذمي] أي: كالولد إذا قتله أبوه، والعبد إذا قتله الحر، والذمي إذا قتله المسلم، لأن قتل الذمي من أشد الجرائم والعياذ بالله، ومن تتبع السنة وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد الوعيد الشديد على التعرض لمن له ذمة الله ورسوله، وأنه إذا دخل بلاد المسلمين في ذمة المسلم أو ذمة إمام المسلمين أو من يقوم مقامه، فلا يجوز لمؤمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يخفر ذمة المسلمين، ولذلك جعل النبي صلى الله عليه وسلم ذمة المسلمين واحدة، كما قال:(ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم) أي: أدنى شخص في المسلمين؛ فلو دخل الكافر في ذمته فكأنه دخل في ذمة المسلمين جميعاً، وورد الوعيد الشديد من اشتداد غضب الله عز وجل على من خفر ذمة الله ورسوله والعياذ بالله.
فالشاهد من هذا أنه لو اعتدى على مال ذمي، فإن الذمي إذا دخل بلاد المسلمين وله ذمة المسلمين فدمه وماله وعرضه حرام، له ما للمسلمين وعليه ما على المسلمين، وكما تقدم معنا في عقد الذمة، حيث بينا كيف كان حال السلف الصالح من الخلفاء الراشدين ومن بعدهم في الوفاء بالذمم، وما هو منهج الشريعة في مسألة إعطاء الكافر الذمة، فهذه الذمة لا تخفر، فلو أخفرت فإن هذا الذمي له حرمة، والاعتداء عليه قد يوجب أن يقتل المسلم به من باب الحرابة، لا من باب المكافأة.
أي أنه إذا قتل الحر العبد فلا نسوي بين الحر والعبد لأن الشريعة فرقت في ذلك، كما في أسلوب الحصر والقصر في القرآن في قوله تعالى:{الْحُرُّ بِالْحُرِّ}[البقرة:١٧٨] أي: لا تقتلوا الحر إلا بالحر، لكن هذا القتل ليس من باب المكافأة، وإنما هو من باب آخر، وهو أن قتل الذمي يعتبر حرابة للمسلمين، ومن حارب المسلمين فإنه يقتل، وهذا المعنى تسقط فيه المكافأة، بدليل أننا ذكرنا أن المقتول لو كان له أولياء، فقالوا: سامحنا وتنازلنا لوجب القتل، وهذا شبه إجماع بين السلف الصالح رحمهم الله؛ لأن القتل واجب لحق الله؛ لأن القضية قضية إشهار سلاح ومحاربة المسلمين، بغض النظر عن كونهم قتلوا مكافئاً أو غير مكافئ، فهذا لا يلتفت إليه، فالقضية ليست قضية مساواة أو قصاص؛ لأن القصاص له ضوابطه وشروطه.
القضية هنا مبنية على محاربة جماعة المسلمين, ومن هنا ننظر إلى الأصل الذي قرره العلماء في الحرابة، وهو أن الحرابة لا تكون إلا إذا أشهروا السلاح على المسلمين، فبإشهار السلاح يكونون قد خرجوا على جماعة المسلمين، ومن هنا يستوي أن يقتلوا مكافئاً أو غير مكافئ، فالعقوبة من باب آخر، وليست من باب المؤاخذة بالجريمة.