والدليل على اشتراط أن يكون المؤذن أميناً ما ثبت في حديث أبي داود عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن، اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين)، فقوله:(المؤذن مؤتمن) خبرٌ بمعنى الإنشاء، أي: ينبغي أن يكون المؤذن أميناً.
قال العلماء: وصف النبي صلى الله عليه وسلم المؤذن بكونه أميناً لأمور، منها: أنه يؤتمن على ركن من أركان الإسلام وهو الصلاة، وهو أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، فإن المؤذن مؤتمن على دخول الوقت، فينبغي أن يكون أميناً حتى لا يغش ولا يكذب في أذانه، فإذا كان متساهلاً أو فاسقاً غير عدلٍ فإنك لا تأمن منه أن يبتدر بالأذان قبل الوقت فيفوت على الناس صلاتهم.
كذلك المؤذن مؤتمن على ركنٍ ثانٍ وهو الصوم؛ لأن تأذينه في الفجر إعلامٌ بدخول وقت الإمساك، وتأذينه في المغرب إعلام بانتهاء الصيام، فلو كان إنساناً لا أمانة عنده، أو يتساهل ولا يحفظ هذا الأمر العظيم فإن ذلك يؤدي إلى ضياع صيام الناس، وهذا هو الواقع والحال، فإنك إذا وجدت المؤذن لا يتقي الله عز وجل فإنه يضيع على الناس صيامهم، فتجده يقوم في صلاة الفجر متأخراً، ويؤذن بعد دخول الوقت بوقت، ولربما أمسك على أذانه الناسُ، فيضيِّع عليهم صيامهم، ويحمل بين يدي الله وزرهم؛ لأن الناس تأتمنه، ولذلك في يوم الإثنين والخميس الواجب أن يكون أذانه عند أول بزوغ الفجر حتى يحفظ للناس صيامهم، وكذا في الأيام البيض، وينبغي أن يُنصح المؤذنون بهذا، وأن يُنبه ويُؤكد عليهم، بل قال بعض العلماء: الأصل في أذان الفجر أن يكون عند أول الوقت.
كل ذلك حفظاً لفريضة الصيام؛ لأنه قد تكون هناك امرأةٌ تريد أن تقضي صيامها، وقد يكون هناك رجل يريد أن يقضي صيامه، فليس له من أمارة أو دليل أو علامة إلا أذان المؤذن، بل لو وُجِدت عنده الساعة فقد لا يعرف متى يكون الإمساك، فلذلك يبني على أذان المؤذن، فاشتراط المصنف رحمه الله للأمانة مبني على السنة، ولما ذكرناه من كون المؤذن مؤتمناً على ركنين من أركان الإسلام: الصلاة والصيام.
قال بعض العلماء: اشتُرِطت الأمانة أيضاً في المؤذن لأنهم كانوا في القديم يؤذنون على ظهور المساجد، وربما بنوا المنائر فكان المؤذن يؤذن على المنارة، ولذلك قال بعض أئمة السلف لأحد المؤذنين:(يا بني: إنك ترقى على المسجد، فإذا رقيته فاتق الله في بصرك)؛ لأنه سيرقى على السطح فلربما اطلع على عورات المسلمين، ولربما رأى أموراً من عورات المسلمين، فقال له: احفظ بصرك.
فقالوا: هذا من الأمانة، ولذلك قالوا: ينبغي أن لا يُختار لهذا الأمر إلا من كان معروفاً بالعدالة والاستقامة، ولذلك اختلفوا في أذان الفاسق وصحته واعتباره.