[من أمثلة حروز الأموال]
قال رحمه الله: [فحرز الأموال والجواهر والقماش في الدور والدكاكين والعمران وراء الأبواب والأغلاق الوثيقة].
فقوله: (وحرز الأموال).
أي: الأثمان من الذهب والفضة لا بد أن تكون في الأغلاق، أي: داخل الصناديق المغلقة، ووراء البناء، فلو أنه وضع الذهب في صندوق وأبرزه للناس، فإنه ليس بحرز، لكن لو يدخله في بيته، أو دكانه فإنه يكون داخل الحرز، وهو الصندوق، ولذلك جرى العرف عندنا الآن أن الشخص لو دخل على بائع وعنده أموال فإنه يجد صندوقاً مخصوصاً للأموال، ويجد خزنة للدكان والبقالة وللمتجر، فهذه الأموال محفوظة وراء الدور الذي هو البناء، وداخل الأغلاق؛ فلو أنه وضع المال داخل الدكان بدون غلق، ففي هذه الحالة لا يعتبر حرزاً إذا جاء السارق وسرق، ولو أنه أخرج الأموال من الصندوق أو من الخزنة ووضعها على الطاولة؛ ثم جاء السارق وسرقها فإنه لا يعتبر آخذاً من حرز.
إذاًَ: لا بد من أمرين: أن يكون في الأغلاق التي هي الصناديق المغلقة، وأن تكون وراء الجدران، أي: في الدور أو في الدكاكين.
وقوله:) والجواهر) كذلك؛ لأن الأموال تدعو النفوس إلى حفظها، وجبلت النفوس على حفظها، والجواهر لربما كانت أغلى من الذهب والفضة، ومن هنا من كان عنده ألماس لا يضعها في بيته، إنما يبحث عن مكان أمين يضع فيه الألماس، ولو وضعها في بيته لا يضعها في درج مكتبه، ولا يضعها مثلاً في كيس في غرفته، إنما يضعها في خزنة تحفظ هذا المال النفيس، أو يضعها في صندوق قوي محكم يغلقه على هذا المال، فكل مال بحسبه، والجواهر تحتاج إلى صيانة أكثر من الذهب والفضة في بعض الأحوال، والذهب والفضة في بعض الأحيان يحتاج إلى صيانة أكثر، ومن هنا نبه المصنف على اختلاف الأموال واختلاف الأحوال.
وقوله: (والقماش) مثلاً: تاجر عنده أقمشة؛ فإنه يضعها داخل الدكان ويغلق عليها دكانه، فلا بد أن تكون في حرز ومغلق عليها.
وقوله: (في الدور) هذا الحرز الأول.
وقوله: (والدكاكين) دكاكين القماش حرز للقماش الذي فيها.
وقوله: (والعمران) القماش داخل المدينة ليس كالقماش خارج المدينة، فإذا كان داخل المدينة يكون داخل الدكان، وداخل البناء، وإذا كان خارج المدينة فلا بد أن يبحث عن حرز يحفظه به، فلو أنه كانت عنده (بسطة)، وليس عنده دكان، وجاء شخص وسرقها، فإنه لا تقطع يده إلا إذا كان هناك رقيب، ونحن هنا نتكلم عن الحرز بالمكان، ولا نتكلم عن الحرز بالنظر، فلو كان القماش تحت عين الرقيب، وجاء وسرق من تحت عين الرقيب؛ فإنه في هذه الحالة يعتبر سارقاً.
وقوله: (وراء الأبواب) إذا كانت في بناء تكون وراء الأبواب ووراء النوافذ المغلقة.
وقوله: (والأغلاق الوثيقة) هي الخزنة، فمثلاً: النقود في المحل توضع داخل خزنة، فلو أن سارقاً سرقها من غير الخزنة دون حافظ ولا رقيب لها، لم تقطع يده؛ لأن هذا إهمال وتسيب، والإهمال والتسيب ليس فيه حرز على وجه.
قال رحمه الله: [وحرز البقل وقدور الباقلاء ونحوهما وراء الشرائج إذا كان في السوق حارس].
انتقل هنا إلى النوع الثاني وهو قضية الحرز بالحافظ، والحافظ هو الحارس الذي يراقب المال، فمثلاً: أكيسة فيها أطعمة، مثلاً: أسواق الفواكه أسواق الخضار أسواق التمر ونحو ذلك، فهذه حرزها إذا كانت تحت مراقبة الحارس؛ فإذا وجد حارس يراقبها وجاء السارق وسرق؛ فإنه في هذه الحالة قد أخذ من حرز، وأما إذا كانت هذه الأشياء موضوعة أو بائعها انصرف وتركها أو انشغل عنها وتركها؛ فليست في حرز، وحينئذ لا يثبت القطع.
قال رحمه الله: [وحرز الحطب والخشب الحظائر].
جمع حظيرة، وأصلها تكون للحيوانات والبهائم، وجرت العادة أن الذي يبيع الحطب والفحم في القديم يضعها في الحظائر، فيأتون -مثلاً- بجريد النخل، ويكونون منه سياجاً على محل البيع، فتكون هذا السياج بمثابة السور في البناء، وجرت العادة أن مثل هذا يحفظ الحطب والفحم ونحو ذلك، وعبر به المصنف كنوع من الأنواع التي تحفظ بها الأموال، بطريقة غير الطريقة الأولى؛ لأن الطريقة الأولى بالبناء، وهذا لا بناء فيه، فعبر رحمه الله بهذا تنبيهاً على نوع من أنواع الحرز، وهذه الأشياء ضعيفة بالنسبة للبناء، أي: إذا جئت تنظر إلى الحرز بالحظائر فهو أخف من الحرز الذي بالبناء، مع أنها تكون محكمة، وتكون قوية في بعض الأحيان، ولا يستطيع أحد أن يدخل منها، لكن قد يكون الولوج عن طريق الحظائر أخف من الولوج عن طريق البناء، ومع هذا تعتبر الحظائر حرزاً، فإذا جرت العادة أنها تحفظ في مثل هذه الحظائر فهي حرز، فلو سرق كيساً من الفحم وهذا الكيس تعادل قيمته النصاب، وكان من داخل حرز مثله؛ قطع، وإلا فلا.
قال رحمه الله: [وحرز المواشي الصير].
الصيرة تحفظ المواشي بإذن الله عز وجل، وهذا إذا كانت في معاطنها كالإبل والبقر والغنم فإنها توضع في الصيران وتحفظ، لكن إذا كانت سائمة وراعية؛ فإنها تكون بالراعي إذا كان معها راعيها وحافظها فإنه حرز لها، وهذا حرز الحافظ.
قال رحمه الله: [وحرزها في المرعى بالراعي].
لأن النبي صلى الله عليه وسلم فرق في الإبل -كما في حديث السنن- بين حبيسة الجبل وبين ما أخذ منها من معطن، فما أخذ من المعاطن أخذ من الحرز إذا كانت محفوظة، وما أخذ من البراري دون أن يكون عليها رقيب فلم تؤخذ من حرز، فلا قطع.
وعند العلماء تفصيل في المطولات بالنسبة للإبل والغنم والبقر، فكل هذه البهائم إذا رعت فلها طرق مختلفة، فتارة تسرق أثناء سيرها إلى المرعى، وتارة تسرق أثناء قيامها بالرعي، فالحافظ الذي معها إذا كانت عينه على مجموعها؛ فإنه حرز، سواء أخذ من أطرافها أو أخذ من وسطها إذا كانت مجتمعة في وادٍ وهو قائم عليها يراقبها.
لكن إذا كانت سائرة إلى المرعى فبعض العلماء يرى القاطرة حرزاً إذا كان قد أخذ بالفحل؛ لأن الفحل تسير وراءه الإبل، أو حصلت السرقة من آخرها فهي سرقة، يعني: يعتبر بالخط الواحد للبهائم ولو كانت عشرة أو عشرين، هب أنها تسير وهي تبع لقائدها، وقائدها عينه عليها، لكنه تتناوب عينه على الأول والثاني والثالث، وأثناء تناوب عينه على أولها سرق السارق من آخرها، فيكون قد سرق من حرز؛ لأنه في هذه الحالة تحت النظر، وإذا قلنا: تحت النظر فلا يشترط أن يكون النظر محدداً للكل، إنما الكل بمثابة المال الواحد، ففي هذه الحالة تقطع يده، ويفرقون في المطولات بين كونها مسروقة من قاطرة الإبل أو قطيع الغنم أو قطيع البقر، في أثناء مشيه أو في أثناء رعيه.
قال رحمه الله: [ونظره إليها غالباً].
هذا هو حرز النظر، فيكون مراقباً لهذا المال، ولا يكون أحد حارساً ولا حافظاً إلا بالمراقبة غالباً، أي: يعني في غالب الحال، لكن لربما ينصرف نظره لشيء يسير فينظر إليه، ثم فجأة ينظر أمامه حتى ينظر الطريق الذي تسير إليه، وينظر إلى الشمس، ونحو هذا، لكن الغالب أن نظره عليها.
وعلى هذا: إذا وجدت مع الحارس على الصفة المعتبرة من كونه حافظاً ومراقباً عليها؛ فإنه إن وقعت السرقة قطع السارق، ونعتبر وجود الحارس حرزاً لهذا المال.