المرأة خلقت سكناً للزوج
لما كانت المرأة تقوم على بيت زوجها، وكان الرجل قائماً بمصالحه خارج بيته، وكان النساء في مكانهن، والرجال في مكانهم، وكل يعرف حق الآخر وقدره وفضله؛ استقامت أمور الأمة ولم تستقم إلا بهذا؛ لأنه الموافق للفطرة.
فإذا جاءت المرأة وقالت: لابد أن أعمل، ولابد أن أخرج، وجعلت ذلك فريضة واعتقدت أن المرأة لا يمكن أن تكون امرأة إلا إذا كانت كالرجل، وكانت -كما يقولون- نصف المجتمع، وهذه عبارة فيها مغالطة.
وفي الواقع أنه لا شك أن المرأة لها رسالتها ولها مكانتها ولها حقوقها ولها فضلها ولها مكانتها، لكن بشرط: ألا تخرج عن فطرة الله التي فطرها عليها: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب:٣٣] فأمرها بأن تقر في قرارها، وأن تلزم بيتها؛ لأن الله حملها بيت الزوجية وحملها أبناءها وبناتها، وإذا لم يكن لها أبناء وبنات فالرجل محتاج إلى دفئها وحنانها وسكنها؛ لأن الله قال: {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [الأعراف:١٨٩] أي: خلق من هذه النفس زوجها، ثم علل هذا الذي خلق سبحانه -وهو أعلم وأحكم- فقال: {لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} [الأعراف:١٨٩] فالمرأة سكن للرجل، فإن خرجت من بيتها فأين يسكن الرجل؟ فمن حيث الأصل المرأة عملها في بيتها، ورسالتها في بيتها، وهذا هو الذي دلت عليه نصوص الكتاب والسنة وهدي السلف الصالح لهذه الأمة، والأمر الذي لا شك فيه ولا مرية.
لكن لو أن المرأة احتاجت للعمل، أو أرادت أن تعمل لأيتام عندها، أو تطلب الرزق المباح أو العمل المباح فلا بأس بذلك، لكن لو كانت متزوجة أو عندها زوجها فلا تعمل إلا بإذنه، فإن أذن لها زوجها فإنها تعمل ولا بأس بذلك، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم حينما أذن للمرأة أن تحز نخلها فتنتفع وتنفع غيرها، فلا بأس أن تعمل، بشرط: أن يكون عملها بعيداً عن الرجال، بعيداً عن فتنتها في دينها، وفيه المحافظة على حقوق أولادها، وغير ذلك من الشروط التي يتحقق بها مقصود الشرع.
فالحاصل أن المرأة من حيث الأصل خلقها الله عز وجل سكناً للرجل بنص كتاب الله عز وجل، وأن الأصل أن تقر في بيتها كما قال تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب:٣٣] وإذا ثبت هذا فإنه يجوز لها أن تخرج عن هذا الأصل في حدود المصالح، فإن ترتب على خروجها مصلحة فلا بأس أن تخرج وتحقق هذه المصالح.
وإذا أرادت سعادتها وسعادة دينها ودنياها وآخرتها فطمعت بما آتاها الله، ورضيت بقسمة الله، ولزمت بيتها، وحنت على أولادها، وخافت من الله عز وجل فيهم، وتفكرت واعتبرت، وتدبرت ونظرت أن لو كانت مكان هذه الطفلة وهذا الطفل، هل ترضى أن تغيب عنها أمها وتتعذب بغيابها، من دون وجود حاجة لغياب الأم؛ لعلمت عند ذلك أن الخير كل الخير أن تحفظ وأن ترحم صغيرها، وأن تقوم على حقه ورعايته على الوجه الذي يرضي الله عز وجل، هذا من حيث الأصل.
فإذا أرادت أن تعمل وكان عندها بعل فعليها أن تستأذنه، والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال -في الحديث الصحيح-: (إذا استأذنت امرأة أحدكم إلى المسجد فليأذن لها) وقال كما في الصحيح: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله) فدل على أن المرأة لا يجوز لها الخروج إلا بإذن زوجها؛ ولأن عملها قد يضر بمصلحة الزوج، وقد يكون في ساعات يحتاج الزوج فيها إلى إعفاف نفسه، وقد يكون في ساعات يحتاج فيها زوجها إلى القيام برعايته ونحو ذلك.
فإذا تزوج وعندها عمل، فإنه إذا أراد أن يبقيها في عملها أبقاها، وإذا أراد أن ينظر إلى الأصلح ويقول لها: اجلسي في بيتك وأقوم على نفقتك، فلا بأس بذلك.
كل هذا إذا كانت المرأة قد قام الرجل بحقوقها، أما لو ضيع الرجل حقوقها، ومنعها من نفقتها، وأصبحت عرضة هي وأولادها للضياع، فمن حقها أن تطلب الرزق لها ولأولادها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن -كما في الحديث الصحيح- للمرأة أن تخرج وتجد نخلها حتى في عدتها، وهذا يدل على أنه إذا وجدت الحاجة لعملها فلا بأس ولا مانع، خاصة إذا كان عملها فيه خير ونفع للمسلمين كتعليم بناتهم، وخاصة إذا كانت امرأة صالحة وأرادت أن تعلم أو توجه أو يكون في عملها منفعة ومصلحة أو نحو ذلك من الأمور التي فيها خير لها ولغيرها.
إذاً: الأصل في المرأة أن عملها ورسالتها في بيتها، وأن عليها أن تلزم قرارها، وأنه لا بأس بخروجها إذا وجدت مصلحة، ولكن إذا أذن لها زوجها في ذلك أو احتاجت، فإذا أذن لها زوجها أو احتاجت فلا بأس أن تخرج وتعمل بما فيه خير لها ولأولادها أو لها ولغيرها.