للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[أقوال العلماء في الشراكة بالعروض]

للعلماء في هذه المسألة قولان: أ- القول الأول: قال جمهور العلماء: لا يجوز أن يكون رأس المال من غير النقدين: الذهب، والفضة، وهذا القول قال به طائفة من السلف رحمهم الله من أئمة التابعين، كالإمام محمد بن سيرين، وقال به أيضاً سفيان الثوري وهو مذهب أهل الرأي، والشافعية، والحنفية، والحنابلة على إحدى الروايتين عن الإمام أحمد رحمه الله ورحم الجميع -وقد اختار هذه الرواية غير واحد من أصحابه- هذا القول يقول: لا يجوز أن تكون شركة العنان إلا بذهب أو فضة، ويُشترط في الذهب والفضة أن تكون مضروبة، يعني: من النقود كالدراهم والدنانير.

ب- القول الثاني: يجوز أن يكون رأس المال من العُروض.

وهذا القول قال به بعض المالكية رحمهم الله، وبعض العلماء ينسبه لمذهبهم، ولا تخلو النسبة من بعض النظر؛ لأن فيه وجهاً، فبعض المالكية رحمهم الله نصَّ وأطلق على جوازها بالعُروض.

فالمالكية يوافقون الإمام أحمد في رواية، وهو قول بعض أصحاب الإمام أبي حنيفة، يعني: أنه مذهب المالكية وبعض الحنفية، ورواية عن الإمام أحمد، واختار هذه الرواية شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله على الجميع.

فقالوا: يجوز أن يتفق الاثنان بالعُروض من الأطعمة والأكسية وغيرها؛ لكن عند المالكية لا يجيزون إلا في حدود معينة، فقالوا: إذا كان رأس المال من الطعام لا يجوز، قالوا: لأنه إذا شاركه بطعام يكون من بيع الطعام قبل قبضه.

كيف؟ قالوا: لأنه إذا دفع في العُروض طعاماً في مقابل شيء آخر من العُروض الأخرى، أو دفع طعاماً في مقابل طعام، قالوا في صورة مقابلة الطعام بالعُروض: كأن أحد الشريكين قابَلَ الآخر معاوضةً، وكأن رأس المال هذا في مقابل رأس المال الآخر، فحينئذٍ تكون المعاوضة قبل القبض؛ لأن الشريك الآخر لم يقبض حصة شريكه، وحينئذٍ يكون عند المالكية شرط في شركة العنان: أنه لابد من إطلاق اليد على المالين، يعني: لا يصح أن تقع الشركة إلا بعد أن يكون المالان قد أطلقت يدا الشريكين عليهما، كأن يُوْضَعا في دكان واحد، أو يُوْضَعا في متجر واحد، فيوضع الطعام في متجر واحد، فحينئذٍ إذا وضعت اليد عليهما كان ذلك موجباً للاعتبار أو الحكم بالصحة؛ لكن قبل أن توضع اليد عليهما لا يصح.

وحينئذٍ قالوا: إن الطعام لا يمكن أن توضع اليد عليه؛ لأن الشركة لم تكن على الطعام، إنما وقعت على قيمة الطعام، فهما يشتركان في الطعام بقيمته، وهذا منصوص عليه، فإذا كانت الشركة بقيمة الطعام كما ذكرنا في مسألة قيمة الدولارت والريالات، إذا كانت الشركة بقيمة الطعام، فأنت تنظر إلى أن الطعام سيُباع قبل الدخول في الشركة، وقبل تنفيذ الشركة واستثمار الأموال.

فحينئذٍ يكون البيعُ وبيعُ عِوَضِه بطعام ولم يقبض الطرف الثاني الطعام، فيصبح حينئذٍ من بيع الطعام قبل قبضه، وبيع الطعام قبل قبضه منهي عنه كما في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

الخلاصة: هناك قول يقول: لا يصح ولا يجوز أن يكون رأس المال من العروض، وهو مذهب جمهور العلماء.

وهناك قول يقول: يجوز ويصح أن يكون رأس مال شركة العنان من العُروض.

<<  <  ج:
ص:  >  >>