للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[أحكام الاعتكاف الواجبة من جهة الزمان]

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد: قال المصنف رحمه الله: [ومن نذر زمناً معيناً دخل معتكفه قبل ليلته الأولى وخرج بعد آخره].

لما بين لنا رحمه الله أحكام الاعتكاف المنذور من جهة المكان، شرع في بيان أحكام الاعتكاف الواجب من جهة الزمان، فالاعتكاف فيه جانبان: أولاً: من جهة المكان حيث يتقيد بالمسجد، وإذا تقيد بالمسجد فلا يخلو من أمرين: إما أن ينوي مسجداً مطلقاً فلا إشكال، وحينئذٍ يجزيه أي مسجد.

وإما أن يعين، فإن عين إما أن يحدد ما هو أدنى فيجزيه ما هو أعلى، أو أعلى فلا يجزيه ما هو أدنى، على التفصيل الذي ذكرناه.

ثانياً: من جهة الزمان فلو أن رجلاً نذر أن يعتكف يوماً كاملاً -أي: نهاراً بليلته- فإنه إذا قال: لله عليَّ أن أعتكف يوم الأحد أو الإثنين أو الثلاثاء.

فإنه يدخل قبل مغيب الشمس من يوم السبت؛ وذلك لأن يوم الأحد يبدأ من ليلة الأحد، وليلة الأحد إنما تكون بمغيب شمس يوم السبت، فإذا أراد أن يعتكف الليلة كاملة فلابد وأن يكون بكامل جسمه في داخل المسجد من أول الزمان.

ولا يتأتى ذلك إلا بالدخول قبل غروب الشمس، فإن دخل بعد غروب الشمس فإنه لم يعتكف الليلة كاملة، ولذلك من نوى العشر الأواخر فإنه يدخل قبل مغيب شمس يوم العشرين، وأما الدخول إلى المعتكف نفسه فيكون بعد فجر ليلة الحادي والعشرين، فقد كان يدخل عليه الصلاة والسلام إلى معتكفه بعد فجر ليلة الحادي والعشرين.

فالشاهد من هذا: أن السُّنة لمن نوى الاعتكاف يوماً كاملاً أن يدخل قبل مغيب شمس اليوم الذي قبله، حتى يحُصِّل الليلة كاملة، وهكذا بالنسبة لآخر زمان الاعتكاف؛ لأن الاعتكاف فيه أول زمانه وفيه آخر زمانه، فأنت إذا ما ألزمت نفسك باعتكاف يوم كامل فإن الله فرض عليك أن تستغرق الزمان بكامله، فأوله قبل مغيب الشمس، وآخره بعد مغيب الشمس من اليوم الذي نويته، فإن كنت ناوياً للاعتكاف يوم الأحد فإنك تدخل قبل مغيب الشمس من يوم السبت؛ لتحصل على أول الزمان، ثم إذا غابت الشمس من يوم الأحد فقد تم نهارك، وحينئذ يجوز لك الخروج، فإن خرجت قبل مغيب الشمس لم يستتم اعتكافك على الوجه المعتبر.

وعلى هذا فإن المعتكف للعشر الأواخر إذا ألزم نفسه بها ونذرها، فإنه يخرج بعد مغيب الشمس من آخر يوم من رمضان، وحينئذٍ لا يخلو الشهر من حالتين: الحالة الأولى: أن يكون تاماً ثلاثين يوماً، فإن تم الشهر ثلاثين يوماً فحينئذ تنتظر إلى مغيب شمس الثلاثين، فإن غابت شمس يوم الثلاثين من رمضان تخرج بعد المغيب، فبمجرد أذان المغرب ينتهي الاعتكاف الواجب عليك، وحينئذٍ إذا صليت المغرب جاز لك أن تنصرف.

وأما إذا كانت الليلة ليلة شك فتنتظر إلى ثبوت كونها ليلة الفطر، فإذا جاء الخبر أنها ليلة الفطر في الساعة التاسعة أو الساعة الثامنة أو الساعة العاشرة فتخرج بمجرد علمك أنها ليلة العيد؛ وذلك لأنك لما تحققت أنها ليلة العيد لم يجب عليك اعتكافها ولا تلزم بها.

<<  <  ج:
ص:  >  >>