والحرابة: مأخوذة من الحرب، وهي ضد السلم، ومن عبر بالحرابة راعى نص الكتاب وتأدب مع الكتاب؛ لأن الله تعالى قال:{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا}[المائدة:٣٣] فوصفهم بكونهم محاربين؛ ولأن هذه الجريمة لا يمكن أن تكون إلا وفيها صفة المحاربة لجماعة المسلمين وأفرادهم والخروج عليهم بما فيه خوف وضرر وأذية، وليس المراد به خروج البغاة.
وأيضاً لا تكون جريمة إلا إذا اشتملت على صورة مخصوصة، وهذا ما سنذكره إن شاء الله من الشروط المعتبرة لكي نحكم بأنها جريمة حرابة.
فالذين عبروا بالحرابة راعوا لفظ القرآن، والذين عبروا بقطع الطريق راعوا أيضاً وصف نبي الله لوط عليه السلام لقومه، قال:{وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ}[العنكبوت:٢٩] فكلا التعبيرين صحيح، ولكن التعبير بالحرابة فيه نوع من العموم، وذلك إذا قلنا: إن الحرابة لا تختص بالصحراء فقط، بل تقع الحرابة داخل المدن في الجرائم والعصابات المنظمة، أو حتى الاعتداء الفردي المسلح الذي يكون جهاراً وتخويفاً للناس علانية.
والصحيح من أقوال العلماء رحمهم الله: أن الحرابة لا تختص بالصحراء، ولا تختص بالبحر كما في قرصنة البحار، ولكن يمكن أن تكون داخل المدن، وهذا يترتب عليه مسائل؛ لأن عقوبة الحرابة عقوبة قوية، حتى ولو سامح أهل الحقوق فإنها لا تسقط، وينفذ الإمام والسلطان الحكم وينزل العقوبة ولو سامح أهل الحقوق، وحينئذٍ فأي شيء تعطيه حق الحرابة فهو أمر عظيم، وليس من السهولة بمكان الحكم على أي جريمة أو جماعة أو أفراد بأنهم محاربون لله ورسوله.
ومن هنا وضع العلماء الضوابط، فالتعبير بالحرابة فيه شمولية وعموم أكثر من التعبير بقطع الطريق؛ لأن التعبير بقطع الطريق يشعر بأن الحد متعلق بالاعتداء في الصحراء دون المصر ودون المدن، وهذا مذهب بعض العلماء رحمهم الله على تفصيل عندهم في ضابط المدن؟ ومتى تكون الجناية داخل المدن؟ منهم من يفصل في هذا ومنهم من يطلق.
والشاهد عندنا: أن من عبر بالحرابة يمتاز بأمرين: الميزة الأولى: مراعاة لفظ القرآن.
والميزة الثانية: أنه أشمل وأعم، إذ لا يشعر باختصاص العقوبة والحد بالجناية في الصحراء دون البنيان.