(وموت) أي: إذا حصل الموت وجب غسل الميت، لكنه متعلق بالمكلفين، والدليل على ذلك: ما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه لما وقف بعرفة وأُخبر بخبر الرجل الذي وقصته دابته، قال عليه الصلاة والسلام: اغسلوه بماء وسدر وكفّنوه في ثوبيه، ولا تحنّطوه ولا تخمروا وجهه ولا تغطّوا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً) ومحل الشاهد قوله: (اغسلوه) فوجّه الخطاب للمكلفين؛ فدل على وجوب غسل الميت، ولكن هذا متعلق بالمكلفين.
الدليل الثاني: ما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لما توفيت ابنته زينب رضي الله عنها وأرضاها، قال عليه الصلاة والسلام:(اغسلنها بماء وسدر) فهذا يدل على وجوبه أيضاً على الأنثى، فالأول للذكر، والثاني للأنثى، وبناءً على ذلك يجب غسل الميت من المسلمين ذكراً كان أو أنثى.
وهنا مسائل: لو أن الميت مات وليس هناك ماء؟ قالوا: يسقط الغسل، واختار بعض العلماء أن يُيمم.
والمسألة الثانية: لو حكمنا بوجوب غسل الميت، فهل هذا الوجوب مطلق أم مقيد؟ نقول: هو مقيد بالحالات الاستثنائية، فلو أن الميت كان محروقاً أو به مرض الجدري -والعياذ بالله- فكان غسله فيه ضرر على الميت كالمحروق، أو فيه ضرر على مغسله كالمريض بالجدري، فحينئذ إذا وجد ضرر يتعلق بالميت أو يتعلق بالحي سقط تغسيله، فلا يجب تغسيله، مثله الذي به جراحات كبيرة، كما يقع في بعض الحوادث -أعاذنا الله وإياكم- فترى الجسد مجروحاً أو مخدوشاً خدشاً شبه كلي، فمثل هذا لو غسل حصل له من الضرر ما الله به عليم، والتغسيل تكريم له، ولكنه على هذا الوجه يكون أذّيةً وإضراراً به، وقد قال عليه الصلاة والسلام:(كسر عظم المؤمن ميتاً ككسره حياً في الإثم) فلا ينبغي أن يتسبب في إتلاف أجزاء الميت والإضرار به، ولذلك قالوا: حتى لو قص من شعره فإنه يوضع في كفنه حفاظاً على كمال جثته التي توفي بها، فبناءً على ذلك: لو كان الميت محروقاً أو به أمور تمنع من تغسيله جاز تكفينه دون أن يغسل وسقط هذا الحكم بتغسيله.