سائل لديه أبناء معاقون، وآخر لديه بنت لم تتزوج، فهل إذا مُلِّكُوا داراً أو شقة يُحتاج فيه أيضاً إلى إذن الورثة، أم أن عذرهم هذا شفيع لهم؟
الجواب
السؤال فيه بعض الغموض، هو يقول: إن هناك ورثة معاقين، وإن هناك بنتاً لم تتزوج لآخر؛ فهل إذا مُلِّكوا شقة أو (عمارة) لابد من إذن الورثة؟ فهل مقصوده كونه يعطي أولاده المعاقين، أو يوصِي لأولاده المعاقين بالشقق أو العمائر، بمعنى: أن يملِّكهم إياها شفقة عليهم لوجود الإعاقة؟ في الحقيقة الحكم واحد، والقاعدة في عدم جواز الوصية للوارث شاملة للوارث المحتاج ولغير المحتاج، فمثلاً: لو كانوا ثلاثة أبناء وواحد من الأبناء معاق، فأحب الوالد أن يَخُص هذا المعاق بشيء ويوصي له بشيء خاص؛ فإنه لا وصية لوارث، كما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، والدليل: أن الحديث عام لم يفصِّل بين وارث معاق وغير معاق، أو وارث محتاج أو غير محتاج، فيبقى العام على عمومه، وهذا من حيث الأصل عند العلماء بلا خلاف، وهو أنه لا وصية لوارث بدون تفصيل، لكن لو أنه نظر إلى أنه بحاجة إلى شيء معين، وأحب أن يخصَّه بهذا الشيء المعين، فلا بأس أن يرضي إخوانه، فيقول لإخوانه: أنتم تعلمون حاجة أخيكم، وتعلمون اضطراره، فأنا أوصي له بكذا وكذا، فأخذ رضاهم، فلا بأس بهذا، وهو -إن شاء الله- مأجور على ذلك؛ لأن هذا من الرحمة، لكن من حيث الحكم الشرعي ليس من حقه أن يَخُص بعض الورثة بشيءٍ دون وجود إذن الورثة جميعاً في ذلك.
تبقى مسألة تمليكهم شقة أو (عمارة): بالنسبة لتمليك الشُّقق قد أبدينا عليه ملاحظة، بمعنى: أنه لا يصح لشخص أن يبيع شقة من عمارة، وقد فصّلنا في هذا فيما تقدم من الدروس، وبيّنا أنه إذا أراد الشخص أن يدخل شريكاً لصاحب العمارة فيقول له: أشتري نصف العمارة، أو ربعها أو ثلثها، أما شقة من العمارة فلا، وبيّنا أن السبب في ذلك أنه إذا نظرنا إلى أصول الشريعة فنجد أن من ملك أرضاً ملك باطنها وظاهرها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أراضين)، فجعل باطن الشيء تابعاً للشيء، فإذا جاء يملك شقة وقلنا أنه يملك الشقة، فمعناه: أنه يملك الشقة وما تحتها من حيث الأصل العام، ولذلك صح الطواف في الدور الثاني ونُزِّل منزلة الدور الأول، فإن من ملك أرضاً ملك سماءها، وصح للمعتكف أن يصعد إلى سطح المسجد الحرام ولا يبطل اعتكافه ما دام أنه من داخل المسجد؛ لأن هذا كله في حكم الأرض نفسها، وتابع للأرض نفسها.
فإذا جئنا نقول: إنه يملك الشقة فقط التي في الدور الثاني، فيبقى السؤال الآن بالنسبة للدور الأول والثالث والرابع والخامس، فكل شخص يملك فيه شقة، ولو كانت العمارة من أربعة أدوار، فلمن تكون السطوح؟ قالوا: ملك للمالك الأصلي، والمالك الأصلي سيبني شقة، ثم يبني في الدور الخامس والسادس والسابع إلى ما شاء الله سبحانه وتعالى ويقول: أنا مالك للسطوح، فيفعل فيه ما يشاء؛ لأنه لا يعتد ولا يرى أن من ملك أرضاً ملك سماءها بالنسبة لأصحاب الشقق، وحينئذٍ يحدث الغرر، ووجه الغرر: أنه اشترى شقة، وهذه الشقة باقية ببقاء العمارة، فقد تنهدم العمارة بعد سنة أو بعد عشرين سنة، وقد تنهدم بعد ثلاثين سنة، فهو ملك مؤقت مثل المستأجر، كأنه ملكها مدة بقائها، وملكية البيع لا تقتضي هذا؛ بل ملكية البيع تنصب على ذاتها، فتكون مالكاً للأرض، ومن دخل في عمارة بالبيع الشرعي المعروف، فيدخل مالكاً لربعها أو لنصفها أو لثلثها.
ويصح أن يقول شخص: عندي عمارة ثلاثة أدوار، ومن أراد أن يشتري مني ثلث هذه العمارة فليدفع مائة ألف؛ فيصبح عندي شريكاً في الثلث وأعطيه شقة من الشقق، وهذه يسمونها:(قسمة المهايأة)، فهذه جائزة، والشريعة -والحمد لله- لم تضيق على الناس، لكن لا ندخل في عقود لا يعرفها المسلمون، بل استحدثت عليهم، وقد تدخل عليهم اللبس، فمثلاً: افرض أنه في يوم من الأيام أراد صاحب العمارة أن يهدمها، فقال لأصحاب الشقق: اخرجوا، فبأي تعليل شرعي تمنعه؟ فقد يقول: الأرض أرضي، فتقول: نحن نملك الشقق، فيقول: لكن أنا أريد أن أهدم هذه العمارة وأبني أرضي؛ لأني أملك الأرض الأساسية، ولأنك أبحت له أن يبني الدور الأعلى والذي أعلاه؛ لأنه مالك للأرض وما عليها.
إذاً: فكيف تجعل صاحب الشقة يملك فقط هذه الشقة من العمارة؟ فالغرر في هذا واضح، ولذلك لا يعرف المسلمون مثل هذا البيع، ولا يُعرف هذا البيع في بلاد المسلمين قبل خمسين سنة تقريباً، إنما طرأ قريباً ودخل على المسلمين، وهو من البيوع التي فيها الإشكال الذي ذكرناه، لكن أن تدخل مع مالك العمارة بالملك الشرعي الذي تتحمل فيه مسئولية العمارة، وتأخذ ربح العمارة سواءً بسواء مثل أخيك، وعلى قدر حصتك من الملكية، فهذا هو الصحيح، أما أن تدخل على وجه فيه غرر، فهذا لا يجوز.
فإذا قال له: أُمَلِّك شقة، فلا، وإنما يملكه جزءاً من العمارة، ويقول: وهبت له نصف العمارة أو ربعها أو ثلثها، ويُعطي قدراً من العمارة وتُقدر العمارة، فإذا بلغت الثلث فحكمها حكم الوصية بالثلث، وإذا كانت أكثر من الثلث فتصح فيما نقص، وتبطل فيما زاد عن الثلث، والله تعالى أعلم.