[كيفية الإطعام وقدره الواجب]
نص المصنف رحمه الله على تقديم الطعام؛ لأنه قوام الأبدان، وهو صلاحها بإذن الله عز وجل، فإذا لم تأكل المرأة وجاعت فإنها تضطر إلى أمورٍ لا تحمد عقباها، وقد تهلك وتموت، ولعظم أمر الطعام وحاجة البدن إليه أحل الله للمضطر أن يأكل من الميتة، فهو حق عظيم، وواجب على الزوج أن يتفقد زوجته وأولاده في طعامهم، وهذا الطعام لا يكفي فيه أن ينظر إليه نظرة عابرة، وأن يجد من سكوت أولاده وزوجه ما يظن أن هذا يعذره أمام الله عز وجل، فليس كل طعام معتبراً، وليس كل طعام تبرأ به الذمة، وليس كل إِطعام يُعذر به العبد بين يدي الله عز وجل.
فتراعى نوعية الطعام، وكون الطعام مما يرتفق به، وسلامته مما فيه ضرر أو مما يضيّع الزوج أو الولد بضعفه وعدم سده للحاجة من حيث الصفة ومن حيث القدر، فهذه أمور معتبرة، أعني صفة الطعام وقدره ونوعيته وجودته ورداءته، كل هذه يسأل عنها أمام الله عز وجل، فحق واجب على الزوج أن يطعم زوجته وأولاده وأن يحسن النظر في ذلك؛ لأنها أمانة ومسئولية، كما أنه يحب لنفسه أن يطعم من الطعام الذي فيه رفق بدنه وقوام ذلك الجسد وسلامته من الآفات، فواجب أن يتفقد ولده في الإطعام وزوجه من هذا الوجه.
فقد يأتي الزوج بطعام رخيص ويكون في هذا الطعام عدم الكفاية من ناحية القدر، أو عدم سد الحاجة من ناحية الجودة والرداءة، وقد يأتي بطعام جيد فيه ضرر على الزوجة والولد، جيد في الظاهر فيما يتسامعه الناس ولكنه لا يصلح للزوجة ولا للولد، لكن يصلح له هو.
إذاً لا بد أن ينظر إلى ما فيه صلاح هذا البدن المسئول أمام الله عز وجل عن إطعامه كما أنه مسئولٌ عن نفسه، والنبي صلى الله عليه وسلم أنزل الولد منزلة الجسد نفسه فقال: (إنما فاطمة بضعةٌ مني).
فالواجب الشرعي في الرعاية للولد أن يتفقدهم بإطعامهم على الوجه الذي يرى فيه قوام أبدانهم وصلاحها وسلامتها من الضرر، وقد توجد بعض الأطعمة يطعمها الأولاد وهي مضرة لهم، وتطعمها الزوجة وهي مضرة للزوجة.
وقد يختلف الطعام من شخصٍ إلى آخر، فلو قالت له الزوجة: إن هذا الطعام يضربها، قال لها: هذا الذي لك عليّ، إن شئت أن تأكلي أو لا تأكلي، فهذا الطعام إن ثبت أنه يضرها فوجوده وعدمه على حدٍ سواء، وقد ظلمها في طعامها، فليست القضية فقط أن يأتي بالطعام ثم يرميه في البيت ثم يقول: قد أتيتها بالطعام، بل عليه أن يتفقد وأن ينظر أحسن الطعام؛ ليعذر أمام الله عز وجل، ويكون قد أدى الواجب الذي فرض الله عز وجل عليه بما تبرأ به ذمته أمام الله سبحانه وتعالى.
وقد يُطعم أولاده الطعام الضعيف الذي لا يقيم البدن، مثلاً: هناك بعض الأرزاق والأقوات فيها غذاء نافع للبدن، ويكون الأبناء في بعض الظروف بحاجة إلى طعام يغذيهم ويعطيهم القوة والجلد على ظروف معينة، فأطعمة الشتاء ليست كأطعمة الصيف، والأطعمة في حال الإجهاد والتعب والنصب -خاصة إذا كان يطلب ذلك منهم- ليست كالأطعمة في حال الرفق والراحة.
هذه كلها أمور ينبغي على الزوج أن يتفقدها؛ لأنها أمانة ومسئولية، وليس من المعروف أن يأتي ويطعمهم طعاماً لا يرتفق به البدن؛ ولذلك قيد الله عز وجل هذه النفقة بالمعروف، وهذا يدل على أنه ينبغي أن ينظر إلى العرف والحالة، واختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص والأحوال والظروف، فقد يكون الطعام قاتلاً مميتاً ويقتل بالتدريج، مثلاً: بعض الأطعمة يوجد فيها بعض الأمراض لكنها أرخص ثمناً وأقل كلفة، فيذهب ويقول: أنا عليّ أن أطعمك، وهذا الطعام إذا أردت أن تأكلي منه فكلي وإلا فلا، فهذا لا يعذرهُ أمام الله سبحانه وتعالى؛ لأن هذا الطعام إذا ترتب عليه الضرر فإنه يتحمل المسئولية أمام الله عز وجل عليه، وهذا موجود.
إذاً: لا يكفي أن يقوم بالإطعام حتى يتفقد وينظر ما الذي يحتاجه الولد، وينظر إلى البيئة وإلى راحة الابن دون غلو، فالمرأة قد تسرف، حتى أن بعض العلماء يقول عن هند لما أتت تشتكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنها نشأت في بيت عز، وبيت جاه؛ لأنها كانت من أرفع أسر قريش رضي الله عنها وأرضاها، وكان لها مكانة، وكأنها تريد النفقة التي ألفت حال كونها عند أبيها، فيقولون: فطن رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك وقال: (خذي من ماله ما يكفيك وولدك بالمعروف)، فرد الأمر إلى العرف ولم يجعله مطلقاً.
فنحن لا نقول: إن الزوج يتكلف ما يكون فيه مبالغة وإسراف، وأيضاً لا يضيع هذا الحق الواجب بأن يكتفى بمجرد إطعامهم أي طعامٍ دون أن يسد حاجتهم ودون أن يكون به قوام الأبدان، والولد في صغره يحتاج إلى نوعية من الطعام تقوي بدنه وتساعده، وتكون هناك نوعية أردأ منها، لا تقوّم البدن ولا تساعده وإن كانت تسد الخلة، وهناك الوسط بينهما، فعلى الوالد أن ينظر إلى هذا كله، وأن يرفق بولده، وأن ينظر إلى الحاجة التي يحتاجها، والزوجة نفس الشيء إن كانت حاملاً فقد تحتاج إلى نوع من الطعام، لأنها في ظروف وأكثر عناء أكثر تعباً ونصبا، فهذه كلها ظروف ينبغي للزوج أن يقدرها بقدرها وأن يحسن القيام فيها بحقوقها.