[ضمان اليد]
ضمان اليد يكون الغاصب قد اغتصب الشيء ولم يتصرف فيه، فحينئذٍ نضمنه بيد الغصب وهي التي أخذت، أو حالت بين المالك وملكه.
ويد الغصب تثبت على الشيء بضابط الغصب الذي تقدم معنا، وفي هذه الحالة الغاصب لا يتصرف في الشيء المغصوب، فيأخذ أرضاً ولا يتصرف فيها، أو يأخذ سيارة ولا يتصرف فيها ولا يحركها ولا ينقلها من مكانها، فإذا كان الغاصب قد اغتصب شيئاً ولم يتصرف فيه ولكن حال بينه وبين صاحبه، فقهره عليه وأخذه منه بالاستيلاء -وهذا ما تقدم معنا مما يسمى بالاستيلاء الحكمي- إذا لم يكن هناك نقل حيازة، فإنه في هذه الحالة يضمن المنفعة، ويضمن العين، ويضمن العين مع المنفعة.
وتصوير ذلك: لو أن رجلاً اغتصب سيارة وأخذ مفاتيحها من مالكها، وقال له: إذا قربت السيارة أو أخذت السيارة أفعل بك وأفعل؟! فهدده ومنعه من السيارة واستولى عليها حكماً أو استولى عليها قهراً، فالسيارة أصبحت منتقلة من يد الملكية من صاحبها إلى يد الغصب لمن اغتصب.
فلما غصبها ما تصرف في السيارة، ما فتحها ولا ركبها ولا تصرف فيها بشيء، فالسيارة تلفت في موضعها، بقيت -مثلاً- عشر سنوات ثم تعطلت تماماً وتلفت، فلم يتلفها الغاصب ولم يتلفها أجنبي ولم يتلفها المالك، وإنما التلف وقع بطبيعة الحال، أو نزلت عليها صاعقة من السماء فأحرقتها، المهم أنها لم تتلف بيد الغاصب ولا بتصرفه، ولا بأجنبي ولا بمالك.
في هذه الحالة نقول: اغتصابه يوجب ضمانه، وهذا ما يسمى بيد الغاصب، ويد الغاصب يقول بها جمهور العلماء، أنه بمجرد قهره لأخيه المسلم وأخذه لماله والاستيلاء عليه حقيقة أم حكماً، حقيقة: كأن يحوزه ويأخذ منه القلم فيجعله عنده في جيبه، أو يضعه في حقيبته، أو يضعه في درجه أو في دولابه، هذا النقل.
أو حكماً: يكون المغصوب في مكانه ولا يستطيع صاحبه أن يصل إليه بسببب منع الغاصب.
في هذه الأحوال كلها يضمن الغاصب، مع أنه لم يكن هو الذي أتلف، فيضمن المنفعة، ويضمن العين، ويضمن كذلك العين مع المنفعة.
الصورة الأولى: يضمن المنفعة، مثال ذلك: لو أخذ داراً فأخذ مفاتيحها ومنع صاحبها من الدخول والاستفادة منها، ومضى على هذا الغصب سنة، لم يدخل الدار ولم يتصرف فيها، فهذه الدار منعت سنة كاملة وهي بكامل أجزائها وكامل منافعها، فلما كملت السنة ردت الدار لصاحبها كاملة، فالعين كاملة، لكن تعطلت منفعتها سنة كاملة، فالذي اغتصبها يضمن المنفعة، وهذا مذهب الجمهور: يدفع أجرة الدار سنة كاملة.
الصورة الثانية: أن يضمن باليد العين، كأن يأخذ مثلاً سيارة لشخص ويقهره عليها فيغتصبها، ثم تتلف السيارة مباشرة بعد الغصب ولو بدقيقة، فبمجرد غصب الغاصب للعين تدخل إلى ذمته، سواء تلفت بتصرفه أو بتصرف غيره فيده ضامنة، وهذا ما يسمى بضمان اليد، فيضمن السيارة ولو تلفت بآفة سماوية.
كما لو أخذ مزرعة واغتصبها ولم يتصرف في المزرعة أبداً، وجاء إعصار بعد الغصب ولو بثانية وأحرقها، ضمن المزرعة كاملة، وهذا ضمان العين.
الصورة الثالثة: الضمان بالنسبة للعين مع المنفعة، مثل: أن يغتصب سيارة سنة، ثم تلفت هذه السيارة، ولم يتصرف فيها ولم يتلفها فقد ضمن بيد الغصب منفعة السيارة سنة، فيدفع أجرة استغلال السيارة سنة، ويدفع قيمة السيارة ضماناً للعين على التفصيل الذي تقدم في ضمان العين.
إذاً: ضمان اليد يكون للمنفعة ويكون للعين، ويكون للعين والمنفعة معاً.
ما الدليل على مسألة ضمان اليد؟! لماذا نضمن الغاصب ونلزمه بدفع أجرة الشيء أي: (منفعته) ونلزمه بدفع قيمة العين إذا تلفت، ونلزمه بدفع الاثنين إذا حصل الموجب للضمان بهما؟!! الدليل على ذلك: قوله عليه الصلاة والسلام: (على اليد ما أخذت حتى تؤديه) فدل على أن الغاصب بمجرد غصبه: (على اليد ما أخذت) بمجرد غصبه وقهره لأخيه المسلم واعتدائه على ماله فقد صار إلى ضمان حتى يؤديه.
فمن اغتصب عيناً وفيها منفعة ألزمناه بدفع المنفعة، وذلك بدفع الأجرة، فألزمناه بضمان المنفعة بدفع أجرتها.
ومن أخذ عيناً وتلفت بعد أخذه ألزمناه بردها؛ لأنه قد أخذها إما حقيقة أو حكماً.
ومن أخذ العين وحبسها مدة فيها منفعة وعطّلها عن صاحبها ضمن الأمرين، والنبي صلى الله عليه وسلم أمر برد الحق كاملاً، فمن ضيع المنفعة قلنا له: رد هذه المنفعة بأجرتها، ومن ضيع العين قلنا له: رد هذه العين بضمانها، ومن ضيع الأمرين وجب عليه ضمانهما معاً.
ضمان اليد يقول به جمهور العلماء وينازع فيه الإمام أبو حنيفة رحمه الله وبعض أصحابه، والإمام أبو حنيفة عنده قاعدة، والحنفية رحمهم الله يقولون: ليس هناك في الغصب ضمان للمنفعة، ولا يرون ضمان المنافع.
وسيأتي هذا معنا -إن شاء الله- ونبين شبهتهم ودليلهم والجواب عليه في المسألة التي سيذكرها المصنف بعد هذه المسألة.