للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حكم الصلاة خلف إمام لا يحسن قراءة القرآن]

السؤال

أنا أصلي خلف إمام مسجد الحي، وهو لا يجيد قراءة القرآن! هل يجوز أن أصلي في مسجد آخر في نفس الحي؟ وما حكم صلاة المصلين الذين يصلون خلفه أثابكم الله؟

الجواب

قولك: لا يجيد قراءة القرآن، فيه وجهان: الوجه الأول: أن يكون مرادك أنه يخطئ في قراءة القرآن خطأً مؤثراً، والخطأ المؤثر عند العلماء: أن يلحن في الفاتحة لحناً يحيل المعنى، أو يبدل حرفاً مكان حرف، فهذا هو الذي يسميه العلماء: الأمي الذي لا يحسن قراءة الفاتحة، فهذا لا تصح صلاته إلا بمن هو مثله أو دونه، أما إذا كان الإنسان الذي يصلي خلفه يضبط الفاتحة، فلا يصلي وراء مثل هذا، ولا يجوز تقديم أمثال هؤلاء الجهلة الذين يخطئون في قراءة الفاتحة خطأً يحيل المعنى، أو لا يتقنون إخراج الحروف على الوجه المعتبر الذي يحصل به الإجزاء، ففي هذه الحالة لا تصل معه، وينبغي نصح هذا وتعليمه، وإذا صليت وراءه تصحح له الخطأ، وتفتح عليه في خطئه، ولو امتنع تردد عليه حتى يرجع عن خطئه، فلا تصح صلاة الأمي إلا بمن هو مثله أو دونه.

الوجه الثاني: أن يكون قولك: لا يجيد القرآن: يعني: لا يحسن بعض الأحكام المتعلقة بالتجويد، فتحصل عنده بعض الأخطاء في القراءة، فإذا كان هذا في القراءة من مراعاة أحكام التجويد، فالأمر أخف، إذا كان لا يحسن هذا لا يحكم ببطلان الصلاة، لكن يعلّم وينبه على أنه ينبغي عليه إتقان هذه الأشياء، إلا إذا كانت قراءته قراءة سرد وحدر، وخفف فيها في بعض الأحكام، هذا شيء آخر، لكن الظاهر أن سؤالك أنه ليس من هذا النوع.

على كل حال: إذا كان من النوع الثاني، فالذي أراه أن تصلي معه، وتحرص على تقويمه، وإعطاء ملاحظتك له بين الفينة والأخرى، فلعل الله أن يقوّمه، قال صلى الله عليه وسلم في حديث البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه: (يصلون لكم، فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطئوا فلكم وعليهم) أي: لكم صلاتكم كاملة، وعليهم خطؤهم، هذا إذا كان الخطأ لا يحيل المعنى، وليس بذاك الذي يوجب الحكم ببطلان الصلاة، لكنه آثم، هذا الإمام إذا أمكن أن يضبط أحكام التجويد ويتعلمها لكنه لم يتعلمها، فإنه آثم شرعاً؛ لأن تجويد القرآن واجب، والقرآن ينبغي أن يُقرأ كما نزل، وأما قول البعض: إن التجويد بدعة، فقوله رد عليه؛ لأن أئمة الإسلام، ودواوين العلم كلهم على إثبات هذه القراءة كما جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن المرد فيها إلى أهل العلم بالقراءة، ولذلك فالتجويد لازم، فمعنى قوله تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمل:٤] أي: رتله كما نزل، وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (من أراد أن يقرأ القرآن غضاً طرياً كما نزل فليقرأه ... ) الحديث، فقال: غضاً طرياً كما نزل، وهذا يدل على أن التلقي عمن روى موجب ومتبع، ومن هنا قال العلماء: القراءة سنة متبعة تؤخذ من أفواه الرجال، فالأصل في هذا: أن هذا التجويد واجب، ولا يجوز الإخلال به، وعليه ضبطه وإتقانه، فإن قال قائل: إنه لا دليل على هذا، نقول له: أنت الآن تقول: {الم} [البقرة:١] ما الدليل على أنك تقول: ألف لام ميم؟ لماذا لم تقل: ألم، وهي مكتوبة: ألم، من الذي قال لك: إنها تقرأ: ألف لام ميم، وكذلك: {كهيعص} [مريم:١] تقرأها: كهيعص ما يمكن هذا.

لو قال شخص: إن زيادة الحرف في القرآن باعتقاد أنه من القرآن، وهو ليس من القرآن موجب للكفر، ونقص حرف من كتاب الله، وباعتقاد أنه من كتاب الله موجب للكفر، فهو يقول: {يََا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا} [هود:٤٢] لا ينطق بالباء، وهي قراءة حفص، لماذا تسقط حرفاً من كتاب الله؟ لو جاء وقال: يا بني اركب معنا، خالف الأصل في الرواية؛ لأن هذه رواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها تقرأ على هذا الوجه.

إذاً من أين الدليل على هذه الأشياء؟ نقول: الدليل على هذه الأشياء: الرواية عن أئمة القراءة، يقول شيخ الإسلام: كل أهل علم يرجع إليهم فيه، وكل أهل فن يُرجع إليهم فيه، هذا الذي أمرنا الله عز وجل أن ننزل الناس منازلهم، ونأخذ عنهم العلم، فالذين يقولون: إن التجويد بدعة، هؤلاء لا يفقهون، ولا يعرفون ما كان عليه سلف الأمة، ولو كان بدعة والله ما بقي يوماً واحداً بين أئمة الإسلام، وما كانوا ليجاملوا في أعظم شيء وهو القرآن، ما شاء الله! الأمة أربعة عشر قرناً ساكتة عن هذه البدعة، وتسكت عن أئمة القرّاء يعلمون الناس البدع! هذا أمر ما ينبغي، إذا كان الإنسان يجهل التجويد، أو على وجه لا يحسن به التجويد، لا يأتي يهين هذه القراءة النبوية المحفوظة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، التي جثا فيها أئمة الإسلام جيلاً بعد جيل ورعيلاً بعد رعيل في مجالس العلم يتلقون فيها ويكافحون ويكابدون من أجلها، فالتجويد سنة متبعة، ولذلك ينبغي الأخذ به، والأصل: أن الله عز وجل أمرنا بترتيل كتابه على الوجه الذي نزل، وقال سبحانه: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء:١٩٥] وإبانة القرآن: إفصاحه، وإعطاء الحروف حقها من صفة لها ومستحقها دون تغيير ولا تبديل، فالمقصود من هذا أنه يجب عليه أن يتعلم هذه الأحكام، وأن يلم بها؛ حتى يؤدي للقرآن حقه وحقوقه.

والله تعالى أعلم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>