للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[عمارة الوقت بالذكر والورع من الدنيا]

ومن الأمور التي أوصي بها كل من يريد أن يبارك الله عز وجل له في علمه: أن يستغرق وقته في طاعة الله؛ لأن العالم وطالب العلم إذا حفظ وقته في طاعة الله يبارك له، ويفتح عليه، ويقال: إنه ما حُرص على أمرين إلا نال الإنسان فتحاً في هذا العلم، فسيفتح الله عليه، ويبارك له في الفهم: الأمر الأول: استنفاد الوقت في ذكر الله وطاعته، فأولى الناس بالفهم والوعي عن الله ورسوله، وحسن التعليم للناس، والقبول؛ من رزقه الله عمارة وقته بذكر الله عز وجل، وهذه وصية علمائنا ومشايخنا، أن يحرص طالب العلم على عمارة وقته بذكر الله عز وجل.

الأمر الثاني: التورع، والتحفظ من الدنيا ما أمكنه، خاصة إذا قُصد بها المطامع، وأراد من تلك الدنيا أن يذلك، فالله أعزك، وأراد غيره أن يذلك، فارض بعزة الله، وكرامته لك، إن هذا العلم أمانة في رقبتك، ولذلك صن هذا العلم، فبمجرد أن تحس أن الشخص يريد أن يذلك بهذه العطية، أو بهذا المال، فابتعد، قال سفيان الثوري رحمه الله: (أوتيت فهم القرآن، ولما قبلت الصرة نزع مني)، فحينما يتورع الإنسان عن أموال الناس ومطامع الدنيا يرتفع قد تجد الإنسان من أهل الدنيا يأتي ويضعك في صدر مجلسه، أو في مكان أعلى مما أنت تستحقه، ويريد أن يستدرجك، فتربأ بنفسك، ولا ترضى لنفسك إلا بتقديم ربك، والله ليرفعنك الله ولو وضعك الناس، وليضعن الله من عصاه ولو رفعه الناس، لو أطبق من في الدنيا على أن يرفعوك على منزلتك شعرة وهم راضون ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.

فعامل الله، واحذر من هذه الدنيا، والدنيا لا تختص بالمال، حتى ولو أتى ليشرفك، ويريد أن يضعك في مكان فيه نوع من المجاملة والمحاباة، وترى من هو أعلم منك وأفضل فتأخر، وقل: فلان أعلم مني؛ لأنك تعلم أن هذا يرضي ربك، وفلان أولى مني، وإذا سئلت عن علم، وهناك من هو أعلم منك، فقل: اذهبوا إلى فلان، فلان أكثر ملازمة للشيخ مني، فلان كذا، وهكذا، وإلا فلا.

فإذا حرصت على هذين الأمرين: عمارة الوقت، والتعفف عن الدنيا، فإن الله سيفتح عليك من فواتح رحمته، وما من عبد يترك شيئاً لله إلا عوضه الله خيراً منه.

وعليك أن تحرص في تعليمك لطلابك على غرس أخلاق ومبادئ الإسلام، فالأدب قبل الطلب، والعمل الذي يرضي الله عز وجل يزين العلم فتحرص على أن يتأدب طلابك بآداب الإسلام، وهذا يحتم على طالب العلم أو على من يريد أن يعلم الناس أن يعلمهم السكينة والوقار، والأدب في مجلس العلم؛ لأن هناك ملائكة تغشى حلق الذكر، فتجمل، ولا تري الله من نفسك إلا كل خير من السمت، والوقار، وحسن الصمت، وإياك واللغو، وأخلاق الجاهلية، فهذه مما تشين الإنسان.

<<  <  ج:
ص:  >  >>