[معنى الحمد ومشروعية الاستفتاح به وبيان الفرق بينه وبين الشكر]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على خير خلق الله أجمعين، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وأصحابه أجمعين، ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين.
أما بعد: فيقول المصنف رحمه الله: [الحمد لله حمداً لا ينفد، أفضل ما ينبغي أن يحمد، وصلى الله وسلم على أفضل المصطفين محمد].
هذه مقدمة المصنف رحمه الله لهذا الكتاب المبارك -أعني: زاد المستقنع- يبدؤها رحمه الله بقوله: [الحمد لله]، ومن عادة أهل العلم رحمهم الله أنهم إذا أرادوا التأليف أو التصنيف، أو أرادوا الخطابة أو الكتابة صدروا ذلك بحمد الله جل وعلا.
ولهم في ذلك دليل من الكتاب والسنة: أما دليل الكتاب فإن الله تبارك وتعالى استفتح كتابه المبين بقوله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:٢]، فاستفتح أفضل الكتب وأشرفها وأجلها على الإطلاق وهو القرآن بقوله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} [الفاتحة:٢].
قال بعض العلماء: في هذا دليل على أنه يشرع استفتاح كتب العلم بحمد الله جل وعلا.
وأما دليل السنة فإن النبي صلى الله عليه وسلم استفتح خطبه بقوله: (إن الحمد لله)، وثبتت الأحاديث عنه عليه الصلاة والسلام في مواعظه المشهورة، أو كلماته المعينة التي وقعت في المناسبات بما يحكيه الرواة عنه بقولهم: (فحمد الله وأثنى عليه ثم قال).
وأجمع العلماء رحمهم الله على مشروعية استفتاح الكتب ونحوها بحمد الله جل وعلا، والمناسبة في ذلك: أن الله جل وعلا هو المستحق للثناء، وما كان العبد ليعلم أو يتعلم لولا أن الله علمه، وما كان ليفهم لولا أن الله فهمه، فيستفتح بحمد الله الذي شرفه وكرمه كما قال: {عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق:٥].
وقالوا: كما أن النبي صلى الله عليه وسلم استفتح الخطب بالحمد فيشرع استفتاح الكتب بالحمد؛ لأن الخطبة والكتاب كل منهما هدفه واحد، وهو الدلالة والدعوة إلى الله.
فكما أن المراد من خطبه عليه الصلاة والسلام توجيه الناس ودلالتهم على الخير، كذلك هو المراد من كتابة الكتب وتأليف المؤلفات.
فلهذا كله شرع في كتب العلم ورسائل العلم والخطب والندوات ونحوها مما فيه تعليم وتوجيه أن تُستفتح بحمد الله، لما فيه من تعظيم الله جل وعلا، ولما فيه من الاعتراف بالجميل والثناء على الله العظيم الجليل.