أي: يرقى على الصفا؛ لأنه لا يستتم السعي بين الصفا والمروة إلا إذا رقى على الصفا، ورقى على المروة، حتى يصدق عليه أنه قد سعى بينهما وتطوف بهما، وأما لو كان سعيه بين الصفا والمروة دون الجبل فإنه لا يجزيه إذا لم يرق طرف الجبل.
وقوله:(يرقاه)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رقى الصفا، يقال:(رقى الجبل) إذا صعد عليه، والسنة للرجال الصعود، وأما بالنسبة للنساء فيجتزئن بأقل الموضع، ولا يصعدن إلى الأعلى؛ لما فيه من التكشف والظهور أمام الناس، وكلما كُنَّ بين الناس كان أستر لهن، ولذلك نص العلماء على أن هذا الموضع من المواضع التي يختلف فيها الحكم بالنسبة للرجال والنساء، فالمرأة تجتزئ بأطراف الصفا وبأطراف المروة، والرجل يصعد إلى الصفا، ويصعد إلى المروة، وكذلك الرجل يرمل في طوافه وسعيه بين الصفا والمروة، والمرأة لا ترمل وإنما تمشي؛ لأنها إذا رملت تكشفت، وعلى هذا فإن الصعود سنة للرجال وليس بسنة للنساء، والهدي أن المرأة تختصر بأقل أطراف الجبل، ثم تمضي لوجهها.
وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في السنة أنه قبل أن يصعد الصفا خرج من باب بني شيبة، ثم بعد ذلك قرأ الآية:{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ}[البقرة:١٥٨]، (وقال: أبدأ بما بدأ الله به)، ولذلك قال العلماء: فيه دليل على أن البداءة بالسعي لا تكون إلا بالصفا، فلو ابتدأ بالمروة لم يجزئه ذلك، ولم يحتسب شوطه الذي بين المروة والصفا، فلابد في البداية أن تكون من الصفا، فيقرأ الآية قبل صعود الصفا؛ تأسياً برسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يبتدئ بما بدأ الله به وهو الصفا.
فقوله:[فيرقاه حتى يرى البيت ويكبر ثلاثاً ويقول ما ورد].
أي: يرقى على الصفا، وكان من هديه صلوات الله وسلامه عليه: أنه إذا صعد النشز من الأرض، كالجبال والهضاب والأماكن العالية كبر الله، وإذا نزل إلى الوديان والوهاد سبح الله، وهذه هي السنة؛ لأن الله يذكر على كل شرف وعالٍ، فإذا علا ناسب أن يقول:(الله أكبر)، فهو سبحانه أكبر من كل شيء، وناسب أن يعظم الله، وأن يذكر الله عز وجل بالتعظيم والإجلال، وهذا من الذكر المناسب للحال.