[الركن السادس: السجود على الأعضاء السبعة]
قال رحمه الله تعالى: [والسجود على الأعضاء السبعة].
من أركان الصلاة أن تسجد على الأعضاء السبعة.
أما دليل ركنية السجود فقوله سبحانه وتعالى في آية الحج: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج:٧٧]، فإن قوله سبحانه وتعالى: (اسجدوا) أمر، والأمر يدل على اللزوم والوجوب.
وقال عليه الصلاة والسلام للمسيء صلاته: (ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً)، فدل على أن السجود ركن من أركان الصلاة.
ويتحقق السجود على الكمال في كونه على الأعضاء السبعة، وقد بيّنا ذلك، وبينا دليله من حديث ابن عباس الثابت في الصحيح: (أمرت أن أسجد على سبعة آراب)، أو: (على سبعة أعظم)، كما في الرواية الثانية.
فإذا سجد فكان سجوده على الأعضاء السبعة فإنه تم ركنه، وأجزأه بمماسة الأرض، ثم يبقى شرط الطمأنينة الذي يأتي ذكره.
ويُستثنى من هذا من كان مريضاً بحيث لا يمكنه الهوي للسجود ولا السجود، حتى ولو كان يخشى ضرراً بعضو أو نفس، كمن أجريت له عملية في عينه، فإنه قد يُمنع من السجود خشية ذهاب البصر، فأصح الأقوال -وهو قول جماهير السلف رحمة الله عليهم والعلماء- أنه يُرخص للإنسان إذا خاف على بصره بطب ونحوه أن يترك السجود.
وشدَّد في ذلك بعض السلف ومنهم ابن عباس، رضي الله عنهما، فقد قال العلماء عن ابن عباس إن سبب إصابته بالعمى أنه كان مريضاً في عينه، فنصحه الطبيب أن لا يسجد، فلم يرض ابن عباس بذلك وسجد فكُفّ بصره رضي الله عنه.
وإن كان الذي ذكره غير واحد من العلماء رحمة الله عليهم أن ابن عباس ابتلِي بذهاب البصر لأنه قل أن يرى أحدٌ الملائكة إلا عمي بصره، وكان ابن عباس قد رأى الملائكة -كما جاء في الحديث الصحيح- لما دخل على النبي صلى الله عليه وسلم هو وأبوه العباس، فلما دخل سلّم العباس فلم يرد النبي صلى الله عليه وسلم عليه إذ كان مشغولاً بالوحي، وكان جبريل عن يسار النبي صلى الله عليه وسلم، فسلّم وكرر السلام فلم يرد عليه فانصرف العباس وفي نفسه شيء، وخاف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وجِد عليه، فلما انصرف علم عبد الله من أبيه ما علم، فقال: يا أبتِ! إنه قد شغل بمن معه، وكان قد رأى جبريل، فلما قال ذلك رجع العباس إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره، فقال صلى الله عليه وسلم: (هل رأيته يا عبد الله؟ قال: نعم.
قال: ذاك جبريل)، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: (لو كان معي بصري لأريتكم الغار الذي نزلت منه الملائكة يوم بدر) أي: يوم القتال، وقد ذكر عن بعض الصحابة ومن غير الصحابة أنهم رأوا الملائكة فكُفّت أبصارهم، فيقولون: إن هذه سنة كونية من الله عز وجل أنه لا يبقى له البصر لقوة ما رآه.
ولكن هذا قد يستثنى منه الأنبياء ونحوهم مما أُعطوا بإقدار الله عز وجل؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رأى جبريل على حقيقته.
والمقصود أن هناك من العلماء من يقول: إن ابن عباس كان مذهبه أنه يشدد في ذلك، حتى إنه حين نهاه الطبيب خشية أن يكف البصر لم يرخص لنفسه.
ولهذا قال بعض العلماء: إن الخوف على العضو أو الخوف من الزيادة في المرض لا يرخِّص به في السجود.
والصحيح أنه يرخص به، فمن كان قد تعاطى علاجاً أو عملية جراحية في صلبه أو ظهره، وخُشِي أنه لو سجد يتضرر أو يذهب عضو من أعضائه فإنه يُرخَّص له في ترك السجود، ولا حرج عليه أن يسجد بالقدر الذي يصل إليه.
فإن صلّى على مرتفع أو نشز كالكرسي ونحوه فسجوده أخفض من ركوعه، بمعنى أن يكون انحناؤه أبلغ ما يكون في السجود، ويكون الركوع أرفع منه قليلاً، وهذا إذا كان على نشز، أما لو كان على الأرض كأن يجلس جلسة التشهد، فإن سجوده أن ينحني إلى القدر الذي يستطيع تحصيله دون ضرر، فإذا بلغ هذا القدر فإنه يُعتبر ساجداً، لكن ينبغي أن يُنبه على كيفية السجود، فبعض الناس يكون مريضاً ولا يستطيع السجود، فتجده إذا سجد وضع كفيه على فخذيه وانحنى، وهذا لا يصح، بل ينبغي أن ينزل الكفين إلى الأرض، لأنه مأمور بالسجود على السبعة الآراب (الأعضاء)، فكونه عاجزاً عن إيصال الجبهة أو الرأس إلى الأرض لا يُوجِب ذلك الترخيص بترك مماسة اليدين للأرض؛ لأن القاعدة أن الضرورة تقدر بقدرها، فضرورته أن لا يصل رأسه إلى الأرض، والزائد على الضرورة من كونه يترخص بسحب اليد ووضعها على الفخذ لا موجب له، فيبقى على الأصل الموجب لتحصيل السجود به.