للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[نصيحة للأزواج في التوفيق بين مشاغلهم الدينية وبين القيام بحقوق زوجاتهم]

السؤال

أحياناً تتضجر الزوجة حين ترى انشغال زوجها بطلب العلم، وكثرة الانصراف إلى العبادة، ويتهم بالتقصير في حق الأهل، فما الضابط في تقسيم الوقت لهذه الحقوق؟

الجواب

الله المستعان! الفتوى ليست بالهينة، ووضع ضابط في المسائل هذا أمر ليس بالهين، وينبغي أن يشفق السائل في الفتوى على من يستفتيه من أنا حتى أضع للناس برنامجاً أو ضابطاً يوفق فيه بين طلبه للعلم وحقوق زوجته؟ فهذا أمر ليس بالسهل، فأقول: لا يمكن الإجابة على هذا السؤال، وأبرأ إلى الله، فما أستطيع أن أتحمل مسئولية وضع الضابط وأقول: إنه ضابط شرعي، وينسب إلى الشرع بقولنا، ولذلك كثرت الاجتهادات في هذا الزمان في وضع الضوابط والقيود، والأولى أن يقال: مثلاً: بماذا تنصح الزوج؟ وبماذا تنصح الزوجة؟ فنقول: إن الله عز وجل شرع لعباده القيام بحقوق الزوجية، وإذا اتقى العبد ربه، جعل الله له من أمره يسراً، وجعل له من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً.

فنوصي الزوجة أولاً أن تتقي الله في نفسها، وأن تتقي الله في زوجها، وأن تحمد الله جل جلاله على العافية، خاصة في هذا الزمان، فكم من امرأة تقرَّح قلبها ودمعت عينها على هلاك بيتها في الفتن والمحن التي لا يعلمها إلا الله عز وجل.

وكم من امرأة تمسي وتصبح مع زوج تنال معه الشقاء والعناء في جحيم الخمور والمسكرات، والمصائب والتبعات التي تأتي من الشرور التي لا يعلم قدرها إلا الله جل جلاله.

فلتحمد الله على العافية، يوم جعل بيتها تلهج فيه الألسن بذكر الله، وتشكر الله عز وجل يوم شرفها وفضلها بخدمة من يخدم المسلمين، ورعاية من يحسن إلى عباد الله، فأمثال هؤلاء يعظم الأجر فيهم، ويعظم الثواب من الله عز وجل لمن احتسب في معونتهم على ما هم فيه والله ما من إمام ولا داعية ينصح لله ولكتابه، ولرسوله عليه الصلاة والسلام، ولسنة نبيه عليه الصلاة والسلام، ولأئمته، فيعينه أحد في دعوته إلا آجره الله جل جلاله، وأعظم ثوابه.

ووالله ما وجدنا في صحبة العلماء ورفقة طلاب العلم إلا خير الدين والدنيا والآخرة، هذا ما نشهد به، وهذا ما رأيناه من البذل الكريم الذي لا يضيع أجر من أحسن عملاً.

فعلى المرأة المؤمنة أن تحمد الله جل جلاله، وأعظم ما يكون من العبد في حق ربه كفره بنعمة الله، وكم من امرأة تتمنى أن ترى زوجها مصلياً، فضلاً عن أن يكون داعية إلى الله، كم من امرأة تتمنى أن تسمع من زوجها ذكراً لله في بيتها، وكم من نساء تتشوق قلوبهن لرؤية الخير والبر في أزواجهن، فلتحمد الله على العافية، ولتعلم أن الشهوة واللذة متاع قليل، ظل زائل ومتاع حائل، لذة ساعة وبعدها تعب الدهر، فعليها أن تقدم آخرتها على دنياها، وأن تحتسب عند الله عز وجل.

والزوج إذا كان مقصراً بسبب الحقوق والواجبات، ووجدته زوجته قائماً برعاية المسلمين وعنايتهم، ووجدت عليه مسئوليات وأمانات في الفتوى وفي التدريس وفي التعليم، فوقفت بجواره، واستعانت بربها، وصبرت واصطبرت، ورابطت في الله جل جلاله، فسيريها الله حسن العاقبة فيما كان منها من صالح العمل، ولا تبالي حتى ولو وجدت زوجها فظاً غليظاً، أو غافلاً عن بعض حقوقهم.

ووالله إنك لتصحب العالم وتكون بجواره وتحسن إليه وتخدمه، فيفعل حتى عن أن يقول لك كلمة طيبة، بسبب الهم الذي هو فيه، وبسبب الضغط النفسي، وتصور أخي لو أنك تريد أن تلقي كلمة أمام ثلاثة أو أربعة من رفقتك، فسوف يتشتت ذهنك، ويصعب عليك الأمر، وتحمل الهم في قلبك، فكيف بمن يواجه الأمة، يواجههم وهو يبين الحلال والحرام، مسئول أمام الله عز وجل، ومسئول أمام خلقه، فربما زل بكلمة واحدة تشيب لها الرءوس، قيل لـ هشام بن عبد الملك: عاد لك الشيب؟ قال: ما لي لا أشيب وأنا أعرض عقلي على الناس كل أسبوع مرة! لأنه يقف في المنبر ويخطب، وقيل لآخر من خلفاء بني أمية: عاد لك الشيب؟ قال: شيبتني المنابر.

يعني مواجهة الناس، ومواجهة الناس ليست بالهينة؛ فأنت تواجه الحليم، وتواجه العاقل والعالم، وتواجه من هو أعلم منك، ومن هو مثلك ومن هو دونك، وتواجه من يحبك ويجلك ويكرمك، وتواجه من يكرهك ويحسدك.

إذاً: فهذا ابتلاء من الله سبحانه وتعالى، فقد جعل بعض الناس لبعضهم فتنة حيث تواجه أموراً لا يعلمها إلا الله، فهذا الداعية يحتاج إلى من يعينه، وإلى من يوفقه، ووالله إن كان بعض طلاب العلم ليشفق على أن يشوش عليه حتى في درسه، وفي بعض الأحيان لا يستطيع أن يتحرك الحركة، حتى لا يشعره أنه تذمر منه، وفي بعض الأحيان تجد طالب العلم يجلس مع عالمه الساعات الطويلة، ولا يستطيع أن يري الملل لشيخه وأستاذه، يخاف أنه لو رأى شيخه منه الملل؛ لسأم من تعليم طلاب العلم من بعده.

فالمعاملة مع العلماء والدعاة والخطباء ومن يتحمل مسئولية الدعوة صعبة جداً؛ لكن من كان عنه قلب حي وضمير حي أولاً: يخلص لوجه الله عز وجل، ويحتسب الثواب عند الله سبحانه وتعالى، فإذا كان عنده هذا القلب الحي والإخلاص؛ فسيفتح الله عليه، وينزل نفسه منزلة هذا العالم ومنزلة هذا الداعية، فالمرأة تنزل نفسها منزلة زوجها، فلو أنها تقارع هذا الأمر وهي في بيتها مع أولادها وأطفالها، ولا تستطيع أن تتحمل وهم أطفالها، ولربما سبت وشتمت في ساعة الضيق، فكيف بمن يتحمل هموم الأمة؟! وكيف بمن يتحمل هموم طلابه وخاصته؟! فتجده يحمل الهم في تعليمه: كيف يكون هذا التعليم؟ ثم يحمل هماً في الكلمات التي يقولها، والعبارات التي يبينها، وربما دخلت الدواخل من العبارات، وفسرت على غير ظاهرها، ثم يحمل الهم في المناقشات والأسئلة والتبعات، وعندها تدرك إدراكاً يقينياً -لا شك فيه ولا مرية- أن هذا العلم تكل أمره كله إلى الله والله لا بقولنا ولا بقوتنا ولا بذكائنا، ولكن الله جل جلاله هو الذي تولى الأمور كلها.

ولقد نسمع من العلماء والأئمة والخطباء والمعلمين ما يثير الدهشة والعجب والاستغراب يقول الإمام: إني أدخل ولا أعي ما أقول من شدة ما أجد من المرض والعناء في قيام رمضان.

وحدثني غير واحد من الأئمة الفضلاء رحمهم الله من المشايخ يقول: والله إني أدخل وأنا أحتاج إلى من يحملني إلى المحراب، فما أن أقف وأكبر إلا وفتح الله من معونته ما لم يخطر لي على بال، فإذا بالصدر ينشرح، وإذا بالنفس تبتهج، وإذا باللسان ينطلق، يقول: قبل الصلاة كأن لساني معقود، وما أستطيع أن أتكلم بكلمة، ولكن {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ} [الفرقان:٥٨]، كيف وهم على ثغور الإسلام!! كيف وهم ينفعون الأمة!! كيف وهم ينصحون لدين الله عز وجل!! وإذا لم يعن الله هؤلاء فمن يعين؟! فأمثال هؤلاء لهم عند الله معين، ولهم من الله ظهير، فإن قصرت المرأة وابتعدت عن هذا فخذلته، فإن الله ينصره ويعينه، وسيجعل الله عز وجل ويهيئ من هو أصلح من هذه المعونة بالمعية، ولذلك أوصي المرأة أن تعينه والله سوف يعينها.

لكن مع هذا أوصي الزوج أن يتقي الله في حقوق زوجته، وأن يكون الأئمة والخطباء وطلاب العلم قدوة لغيرهم، وإذا عجزت عن القيام ببعض الحقوق، فلا تفوتك الكلمة الطيبة إن الذي يجرح النساء المؤمنات ويؤثر عليهن أنهن لا يسمعن كلمة طيبة، لكن قد يكون بعض المشايخ لا يمدح الطلاب، ولا يثني على من يخدمه، والله يعلم أنه يريد له الأجر أكثر، ويريد له الثواب أعظم، وثق ثقة تامة أنك لن تكون سعيداً في هذه الحياة إلا إذا وطنت نفسك دائماً على أن لا تنتظر شكراً من أحد إلا من الله، الذي يشكر الأعمال الصالحة، سبحانه وتعالى.

من يفعل الخير لا يعدم جوازيه لا يذهب الفضل بين الله والناس فلا يذهب المعروف عند الله، فالمعروف لا ينسى، والخير لا يبلى، والحسنة لا تنسى، فالله لا يضيع من عبده من الحسنات مثقال خردلة وأقل من ذلك، فوطن نفسك دائماً إذا كنت في معاملتك مع الناس الخاصة والعامة، حتى ولو كنت براً بوالدك، فلا تنتظر من والدك كلمة شكر، وقد كان بعض البارين يتمنى أن لا يشكره والده، حتى يكون أجره عند الله أعظم، وثوابه عند الله أجل.

وجماع الخير كله أن نتواصى بأداء الحقوق والواجبات، فإن المرأة في هذا الزمان تتعرض لفتن كثيرة،؛ خاصة إذا خرجت، فيحرص الزوج على إعفاف أهله والإحسان إليهم.

أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يوفقنا لما يحب ويرضى، وأسأله أن يعصمنا من الزلل، وأن يوفقنا في القول والعمل، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

<<  <  ج:
ص:  >  >>