[حكم من قال لزوجته: (أنت أختي من الرضاع)]
قال رحمه الله: [ومن قال لزوجته: أنت أختي من الرضاع بطل النكاح] ومن قال لزوجته: أنت أختي من الرضاع، فقد أقر واعترف أنها لا تحل له، فيؤاخذ بإقراره؛ ولذلك بينا أن أقوى الحجج وأقوى الأدلة: الإقرار.
وهذا ما يسميه بعض العلماء: بسيد الأدلة.
والسيد في لسان العرب: هو المقدم في كل شيء.
فقالوا: إذا أقر بأنها أخته؛ فإنه في هذه الحالة يؤاخذ بإقراره، ويلزم به، ويحكم بالمحرمية ظاهراً، أي: أنها حرمت عليه، بناء على القول الذي قاله شهادة من نفسه على نفسه ببطلان النكاح، وليس هناك أصدق من شهادة الإنسان على نفسه، لكن لو كان يريد من قوله هذا أن يسقط حق المرأة، فحينئذ يتهم؛ لأن الشهادة حجة، والإقرار حجة، مالم تدخله التهمة، فإذا دخلته التهمة ضعف الاحتجاج به، كإقرار المجنون فهو متهم، وليس بمقبول، ولا بحجة؛ لأنه قد يكذب على نفسه، إذ ليس عنده عقل، وكذا إقرار السكران لا يعتد به، ولذلك لما جاء ماعز وأقر واعترف، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أشربت خمراً؟!)؛ لأن السكران إقراره محل تهمة، فهنا التهمة عندنا في العقل والإدراك، وقد تكون التهمة في جلب النفع أو دفع الضرر.
فإذا قال لها: أنت أختي من الرضاع، وكان قد استحق عليه مهرها، حينئذ يتخلص من المهر، لأنها لم تعد له بزوجة له، وحينئذ يفسخ نكاحها.
قال رحمه الله: [فإن كان قبل الدخول وصدقت فلا مهر] إذا صدقت الزوجة فما عندنا إشكال في فسخ النكاح، ومسألة إسقاط المهر قبل الدخول بلا إشكال؛ لأن العقد إذا كان على أخته من الرضاعة، أو ابنته من الرضاعة، أو عمته من الرضاعة فهو عقد فاسد وباطل، لا يُستحق فيه المهر لا نصفاً، ولا كلاً، فحينئذ في هذه الحالة يسقط، فإذا صدقته قبل الدخول؛ فلا شيء لها.
قال رحمه الله: [وإن أكذبته فلها نصفه] وإن أكذبته قبل الدخول، قالت: لست بأخ لي من الرضاع، والدتي ما أرضعتك، أو أنا لم أرتضع من والدتك، وهذا الكلام الذي تقوله ليس بصحيح -فكذبته- ويقع هذا إذا كان الرجل لا يخاف الله- نسأل الله السلامة والعافية- أو رجل كثير التهم والشكوك، يصدق أقل شيء، فجاء شخص يريد الزوجة، فأوعز إلى شخص ضعيف النفس، فما تصدقه المرأة، لكن إذا كان شخصاً ثقة، وقال: أنا وهمت.
فكأن بعض العلماء كالإمام أبي حنيفة -رحمه الله- وغيره يقبل منه العذر، قال: أنا كنت أظنها فلانة بنت فلان، لكن تبين لي أنها غيرها، وأنا رضعت من فلانة، فحينئذ الغالب صدقه، إذا كان الرجل أسند إلى عذر مقبول، فيرى بعض العلماء كالإمام أبي حنيفة -رحمه الله- وبعض السلف أن عذره مقبول، وأنه يحكم بقوله، فهنا إذا كذبته، تستحق نصف المهر.
ما هي القضية؟ القضية أن الزوج لما عقد على هذه الزوجة؛ استحقت نصف المهر لو فارقها قبل الدخول، إذا كان العقد صحيحاً وشرعياً، فحينما يدعي الفسخ، كما لو أقر أنها أخته من الرضاع، فيفسخ النكاح بناءً على إقراره، ويؤاخذ بهذا الإقرار، لكن بالنسبة للحقوق لا يسقط المهر إذا كذبته، ولا يسقط لها نصف المسمى، لأنها تستحق نصف المسمى، ويحكم بالظاهر بانفساخ العقد، لأنه أقر على نفسه أنها لا تحل له.
قال رحمه الله: [ويجب كله بعده] ويجب عليه دفع الكل بعده، لأن إقراره موضع تهمة؛ لأنه يتهم بأنه يريد أن يسقط مهرها، إذ لو فتح هذا الباب؛ فكل رجل استمتع بالمرأة، وانتهى وطره منها، قال: هذه أختي من الرضاعة، أو بنت أختي من الرضاعة- نسأل الله السلامة والعافية- قد يفعل هذا، ويفتح هذا الباب لك شخص حتى يتخلص من حق زوجته في مهرها.
قال رحمه الله: [وإن قالت هي ذلك، وأكذبها فهي زوجته حكماً] وإن قالت له: أنت أخي من الرضاعة، فإنه في الظاهر يعمل بقولها، وفي باطن الأمر يجوز له أن يستمتع بها، لأنه لم يكن ثم شيء يدل على صدق هذه الدعوى، أي: من حيث الباطن هي زوجته، وتحل له، لكن وجود هذه التهمة في الظاهر حكماً، تمنع الحكم ظاهراً باستحلاله لها، لأنها من حقها أن تمتنع منه، إذا أقرت، أو تبين لها أنها أخته من الرضاع، ويقع هذا-نسأل الله السلامة والعافية- في بعض الحوادث -مرت علينا- أن امرأة اكتشفت -ولم تكن تعلم بهذا- أنها مكثت مع أخيها من الرضاع عشرين سنة، وأنجبا أطفالاً، وهذا يدل على أن الرضاع ينبغي أن يحتاط فيه، وأن على الأم وعلى أهل الولدين أن يتقوا الله عز وجل، وأن يحفظوا الرضاع، وأن لا يضيعوه، فالأم إذا كان ولدها ارتضع وهو صغير، فتخبره، تقول له: يا بني، أنت ارتضعت من بني فلان، وتحدد له المرأة التي ارتضع منها، وهكذا الأخت إذا علمت أن هناك رضاعة لأخيها؛ بينت له، حتى لا يقع في الحرام، لأن هذه الأمور يعظم ضررها إذا تساهل الناس فيها، وذكر بعض أهل العلم أن شخصاً تبين له أن زوجته أخت له من الرضاع ففقد عقله، ما استطاع أن يتحمل الصدمة، ويقع هذا في النساء أيضاً، وهذا يدل على أن ضررها عظيم جداً، ولذلك ينبغي أن يحتاط لهذا الأمر.