ولو قال: عجلت الطلاق، قوله:(ولو) إشارة إلى خلاف المذهب، قال بعض العلماء: إذا قال لامرأته: أنت طالقٌ إن تكلمت اليوم وبقي من اليوم عشر ساعات فننتظر خلال العشر ساعات حتى يتم اليوم، فإذا مضت ولم تتكلم فلا طلاق، فنقول: الأصل أن يبقى الطلاق معلقاً على صيغة الخطر، وصيغة الخطر أن يبقى الأمر متردداً، ولذلك صيغة الشرط التعليق بها منبن على الخطورة كما يقول بعض الفقهاء رحمهم الله، بمعنى: أنه يحتمل أن يقع فيقع الطلاق ويحتمل أن لا يقع الشرط فلا طلاق، فتصبح صيغة مترددة على خطر، يحتمل أن تبقى المرأة في عصمته إذا لم يقع الشرط، ويحتمل أنها تطلق إذا وقع الشرط فالأمر متردد، والحال على خطر، فلا نحكم بالطلاق إلا إذا وجد الشرط، وعلى هذا لو قال لها: أنت طالقٌ إن جاء أبوك اليوم فلم يأت أبوها، وجلست تنتظر فما جاء أبوها، فيبقى الأمر معلقاً، فإن قال: عجلت الطلاق، لم يقبل منه؛ لأن الأصل أن الطلاق معلق، فإذا أراد تعجيله فليأت بصيغةٍ ثانية يراد بها التعجيل.
وقال بعض العلماء: إن قال عجلته أوقعنا الطلاق بقوله: أنت طالقٌ، وأسقطنا قوله: إن جاء أبوك اليوم، وتصبح طالقة بقوله: أنت طالق، فأصبحت الصيغة في ذاتها بين التنجيز والتعليق، قالوا: نحكم بطلاقه بقوله: أنت طالق، لأنه ألغى التعليق فبقي الأصل وهو قوله: أنت طالق، والصحيح ما اختاره المصنف: أنه إذا قال لها: أنت طالق إن جاء أبوك، أو: أنت طالق إن غربت الشمس، فإنها لا تطلق إلا بوقوع الصفة، وإن قال: عجلت لا يعتد بقوله؛ لأن الصيغة ليست دالة على ما قال، فهي صيغة تعليق في أصل الوضع اللُّغوي، ودالة على التعليق، فلا نحكم بكونها مطلقة بقوله: عجلت، وهذا هو أصح أقوال العلماء رحمهم الله.
قال رحمه الله:(ولو قال: عجلته)، يعني: لو قال: عجلت وقوع الطلاق، فإنه لا يعتد بقوله، لكن لو أنه قال: أنت طالق ونوى في قلبه أنها طالق، ثم قال: إن جاء أبوك اليوم، فنيته أنه معجل فيكون قوله: إن جاء أبوك، صيغة تعليق جاءت بعد وقوع الطلاق وتنجيزه، وهذا شيءٌ بينه وبين الله، فلو أقر عند القاضي أن الصيغة قالها على هذا الوجه، وأنه أدخل التعليق كحيلة ثم تاب واستغفر؛ فإنه يحكم بكونها طالقاً لقوله: أنت طالق، ويكون طلاقاً منجزا، ولا يحكم بكونه طلاقاً معلقاً.
ومن عجيب ما ذكره بعض العلماء -رحمهم الله- أنه لو قال: أنت طالق بعدد شعر إبليس -وهذا ذكره الإمام النووي رحمه الله- قال بعض العلماء: إنها لا تطلق؛ لأننا لا نعلم هل لإبليس شعر أو لا! والأصل: أنها زوجه، لكن قال بعض العلماء وهو أصح: قوله: أنت طالق، إثبات للطلاق، وقوله بعد ذلك: بعدد شعر إبليس زيادة على الواحدة، يعني: أنه يريد أكثر من واحدة، فنبقى على الأصل من أنه طلق، والزائد ملغي وهذا هو الصحيح.
فبعض العلماء يرى أنه إذا قال: أنت طالقٌ، وذكر صيغة الشرط بعد ذلك، ونوى في قلبه أنها طالق مباشرة، فصيغة الشرط جاءت على سبيل اللغو، فيحكم بكونها طلقاً بالقول الأول وبالجملة الأولى وتلغو صيغة الشرط.
قوله:(وإن قال: سبق لساني بالشرط ولم أرده وقع في الحال).
فهو يريد أن يقول: أنت طالق البتة، فسبق لسانه وقال: أنت طالقٌ إن جاء أبوك، نقول له: هذا الشرط الذي قلته: إن جاء أبوك قصدته أو لم تقصده؟ قال: سبق لساني به وأقر أنه لم يقصده، فيكون التعليق غير مقصود وتكون مطلقة بقوله: أنت طالق.