[حكم الخروج من المسجد بعد الأذان الأول للجمعة]
السؤال
هل الخروج بعد الأذان الأول من يوم الجمعة يشمله النهي أثابكم الله؟
الجواب
الأذان الأول يوم الجمعة أذان شرعي، ولا يجوز لأحدٍ أن يتكلم فيه بأي وجهٍ كان، فهذا الأذان الذي أحدثه عثمان رضي الله عنه وأرضاه أذان شرعي قضى به خليفة راشد أمرنا باتباع سنته، وانعقد إجماع الصحابة كلهم والأمة كلها على العمل به.
ومن قال بأن هذا الأذان بدعة فقد أخطأ كائناً من كان؛ لأننا لا نستطيع أن نرد هذا الإجماع، فكلٌ يؤخذ من قوله ويرد، ولا يمكن أن نرد الإجماع، فلا يتكلم في هذا الأذان.
ولو قال قائل: وجدت الآن الأجهزة والآلات -مكبرات الصوت- فهذا يُرد عليه بأنه في الزمان القديم كانت هناك قرى صغيرة لا يحتاج إليها الأذان الأول، ومع ذلك فالسلف لم يفرطوا فيه، وأتحدى أن يوجد واحد من علماء السلف ومن بعدهم ذكر أن هذا الأذان بدعة؛ لأنه ليس من السهولة بمكان أن نبدع سنة راشدة، وأن نقول إن هذه الأمة كلها على ضلالة، وأنا لا أقصد شخصاً بعينه، وإنما أقصد أن هذا القول لا يجوز لمسلم أن يقول إن الأذان الأول يوم الجمعة بدعة، لأنه يرد سنة راشدة أجمعت الأمة كلها على قبولها والعمل بها، وإذا قال: إن الزمان اختلف نقول: إن هذا باطل؛ لأن العلماء رحمهم الله وأئمة الإسلام كلهم قبلوا هذا الأذان وما فرقوا بين القرى الصغيرة والكبيرة.
والقرى الصغيرة التي كانت أيام السلف ليست بحاجة إلى هذا الأذان، وإنما احتاجه عثمان لما كبرت المدينة، وهم يقولون: احتاجه لما كبرت المدينة، فلما زال السبب أصبح بدعة.
وأوصي طلاب العلم أن يتقوا الله عز وجل وأن لا يتعصبوا إلا للحق؛ لأن هذا أمر ليس بالسهولة، ومشايخنا كانوا يشددون في هذا الأمر، ويضيقون على أحد أن يتكلم في هذه المسألة؛ لأنها مسألة إجماعية، ولا يعرف عن أحد من أئمة السلف ولا من الخلف التابعين لهم أنهم قالوا: إنه بدعة، والبدعة أمرها عظيم، ومعناها أن من يؤذن آثم، والمسجد الذي أذن فيه مسجد بدعة، والمصلون الساكتون ساكتون عن بدعة، إلخ.
فقول بدعة ليست بالهينة، وينبغي لطالب العلم أن يحذر.
وعلى كل حال: فالأذان الأول يعتبر سنة كما ذكرنا، فللعلماء فيه وجهان: بعض العلماء يقول: يطرد فيه حكم الأذان مطلقاً، وإذا قلت باطراده فإنها تتفرع عليه مسائل: منها: أن النبي صلى الله عليه وسلم: (نهى عن الخروج بعد الأذان)، فلا يجوز أن يخرج، على ظاهر هذا الحديث؛ لأنك احتسبته أذاناً شرعياً، وإن قلنا: إنه آخذ حكم الأذان، فيجوز أن يصلي بعده الركعتين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بين كل أذانين صلاة)، وقصد أنه بعد الأذان تفتح أبواب السماء، وهذا مطلق، ولذلك قال بعض العلماء: يشمل هذا الأذانَ الأولَ والثاني من الفجر، فإن الأذان الأول والثاني تستحب بينهما الصلاة، وهو داخل في هذا العموم.
ومن أهل العلم من قال: يقال إنه أذان شرعي؛ لكن لا يأخذ وصف الأذان من كل وجه، فلا يتنفل على قصد بين كل أذانين، وإن كان التنفل بين الأذان الأول والثاني جائزاً عند الشافعية، كما ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري أن من الشافعية رحمهم الله من قال: يشرع أن يتنفل قصداً لما بين الأذانين، وهناك فرق ما بين القصد وبين كونه يتنفل نافلةً مطلقة، فالنبي صلى الله عليه وسلم ثبت في الحديث الصحيح عنه أنه (صلى ثم جلس وأنصت)، فأخبر أن الذي خرج للجمعة جلس يصلي ثم جلس ينصت للخطبة.
والوقت الذي قبل الزوال يوم الجمعة محلٌ للصلاة بإجماع العلماء، وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (فإذا طلعت الشمس فصلِّ، فإن الصلاة حاضرة مشهودة حتى ينتصف النهار، ثم أمسك عن الصلاة ... )، هذا حديث صحيح، يدل على أن ما بين طلوع الشمس وبعد ارتفاعها قدر رمح إلى الزوال محلٌ للصلاة حتى يدل الدليل على المنع والتحريم، فلو صلى بين الأذان الأول والثاني من الجمعة؛ فإن الأذان الثاني لا يكون إلا بعد الزوال، فقد وافقت صلاته المحل المأذون به شرعاً.
ولا يقال: إنه بدعة، فليس هناك أحد من العلماء قال إنه بدعة، وأنا أقول هذا عن علم، والذي يأتيني بأحد من أئمة السلف ودواوين العلم المتقدمين أنه يقول: الصلاة بين الأذان الأول والثاني بدعة، فإني أعتبره قد أهدى إليَّ هديةً عظيمة، ومستعد أن أرجح عن هذا القول، وهذا أمر لا أعرفه، ولقد تعبت كثيراً كي أجد عالماً واحداً يقول: الصلاة ما بين الأذان الأول والثاني بدعة، فما وجدت أحداً يقول بهذا القول، وأقولها أمانةً وإنصافاً؛ لأن هذه مسئولية وأمانة، الأذان الأول والثاني بينهما صلاة بعموم الأحاديث الواردة في الصلاة فيما بين طلوع الشمس وزوالها، وهي أحاديث صحيحة لا غبار عليها، فإذا جئت تمنع من الصلاة حَرَّمْت، وإذا قلت: إنها بدعة أَثَّمْت، ومن يصلي في هذا الموضع أثم، إنما الذي ضُيِّق فيه أن يعتقد لهذا الوقت مزية الفضل، فإذا اعتقد ذلك فإنه يُمنع منه.
أما لو أنه أخذ بقول من يقول: (بين كل أذانين صلاة)، فقد تمسك بحديث نبوي، وبعموم ثابتٍ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فعلى كل حال: المسألة محتملة، ولا ينكر على من فعل هذا؛ لأن له وجهاً من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا أذن المؤذن الأذان الأول فلا يخرج إلا إذا وجدت الحاجة والضرورة، والله تعالى أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.