العائد في هبته مذموم، كما قال صلى الله عليه وسلم:(ليس لنا مثل السوء؛ العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يأكل قيئه)، وهذا يدل على ذم العودة في الهبات.
والهبة تقع في الذوات وتقع في المنافع، فإذا قلنا: إن الهبة هنا بالمعنى العام، شملت العارية، لكن إذا أعار شخص شخصاً لا تخلو العارية من حالتين: الحالة الأولى: أن تكون مؤقتة.
الحالة الثانية: أن تكون مطلقة.
فإن كانت مؤقتة قال له: خذ سيارتي وانتفع بها، ومتى ما أردت أخذتها، فهذه عارية مطلقة، فالعارية المطلقة إذا أخذها المستعير وانتفع بها ولو مرة واحدة ثم طلبتها منه، فإنه لا بأس بذلك؛ لأن الهبة مطلقة، وتصدق على أقل ما تقع به العارية.
لكن الإشكال إذا قلت له: اسكن في داري شهراً، فقد وهبته السكنى شهراً وقيدت، فحينئذ لا يكون الرجوع قبل تمام الشهر، فإن أتاه في نصف الشهر أو قبل تمام الشهر ولو بيوم فإن هذا يكون رجوعاً في العارية.
لكن هذا الرجوع فيه تفصيل: إن كان الرجوع بسبب عارض ألم بك، فأنت معذور فيه.
لو أن شخصاً وهب سيارته ثم احتاجها لأهله أو لأمر طارئ عليه، وقد وهبها حينما لم تكن عنده حاجة ثم طرأت له حاجة؛ وقال له: طرأت لي ظروف وأريد أن آخذها، فينبغي على الأخ الثاني أن يقدر، وإن كان الأفضل والأكمل تورعاً لهذا الحديث أن لا يسأله ذلك.
وأما لو سأله فعنده وجه إذا اضطر إلى ذلك، وأما إذا لم يضطر وكان ذلك على سبيل الرجوع فهذا لا شك أنه مذموم، ويشمله الحديث لعموم الهبة من الوجه الذي ذكرناه، والله تعالى أعلم.