للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[اشتراط الخلوة بين الزوجين لثبوت العدة]

قال المصنف رحمه الله: [خلا بها مطاوعة].

(خلا بها) لما قال: (خلا) معناه: أن الذي عقد على زوجته ولم يخل بها فلا عدة له عليها؛ لأن الله قال في آية الأحزاب: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [الأحزاب:٤٩]، يعني: عقدتم على المؤمنات: {ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب:٤٩]، ومن هنا أخذ العلماء أن من الحكم المستفادة من شرعية العدة: براءة الرحم، فهنا أسقط الله عز وجل العدة لأنه لم يحصل بين الزوجين مسيس أو خلوة على خلاف بين العلماء، وبعض العلماء يقول: من خلا بامرأة ومُكن من وطئها -بحيث كان بإمكانه أن يطأها بالشروط التي سيذكرها المصنف- ثم طلقها ولم يطأها، فالخلوة على هذا الوجه تمكين، والتمكين ينزل منزلة الفعل؛ لأن من مكن من فعل الشيء كأنه فعله، ولذلك يلزم بعاقبته، وتترتب على هذه الخلوة: العدة، كما لو أن أجيراً استأجرته ليعمل عندك يوماً، فجاء وجلس عندك مستجيباً بحيث لو أمرته بأي أمر ينفذه، فلم تأمره بشيء حتى مضى اليوم، وهو مكنك من نفسه فثبت له الحق، فهذا التمكين ينزل منزلة الفعل للشيء، ومن هنا لما مكنت المرأة نفسها لزوجها أن يطأها وكل الأمور ميسرة له وبإمكانه أن يطأ ولا تحول بينه وبين ذلك لا هي ولا أهلها فإنه ينزل منزلة من أصاب ومن فعل، فتثبت العدة، وهذا مذهب الحنفية والحنابلة، وقال الشافعية والمالكية والظاهرية رحمة الله على الجميع: لا يمكن أن يحكم بالعدة إلا إذا وقع جماع، أي: لا يكفي التمكين، بل لا بد من وقوع الجماع، واستدلوا عليه بظاهر قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ} [الأحزاب:٤٩]، وجه الدلالة من هذه الآية الكريمة: أن الله عز وجل أسقط العدة إذا لم يحصل بينهما مسيس، والمسيس: المراد به الجماع، فدل على أن الخلوة لا تأخذ حكم الجماع؛ لأنه لم يقع مسيس، فصار كل من اختلى بامرأة وأمكنه وطؤها ولم يطأها داخلاً في هذه الآية الكريمة، فلا عدة على زوجته، وفي الحقيقة من حيث الدليل أن مذهبهم أرجح؛ لأن ظاهر الآية قوي: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ} [الأحزاب:٤٩]، وقع الطلاق: {مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [الأحزاب:٤٩] ما قال: من قبل أن تدخلوا عليهن.

ولذلك الدخول شيء والمقصود من الدخول شيء آخر، فالمذهب الذي يقول باشتراط الإصابة قويٌ جداً من حيث الدليل، ولذلك رجحه غير واحد من الأئمة رحمة الله عليهم، فلا يكفي مجرد أن يخلو بها، بل لا بد من أن يحصل المسيس بينهما، والمسيس يكنى به عن الجماع.

قال ابن عباس رضي الله عنه: (إن الله يكني).

<<  <  ج:
ص:  >  >>