[حكم القروض التي تجر منافع]
وقوله: [ويحرم كل شرط جر نفعاً] الشروط في القروض تنقسم إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: شروط مشروعة.
والقسم الثاني: شروط ممنوعة.
والقسم الثالث: شروط مختلف فيها.
وهذا القرض له نوعان من الشروط: شروط شرعية وشروط جعلية، والفرق بين الشروط الشرعية والجعلية: أن الشرعية لا يصح أن يكون القرض من مجنون أو ممن لا يملك المال، وليس له حق التصرف فيه، أما الجعلية، أي: جعلها المتعاقدان أو اشترطها أحدهما ورضي بها الآخر.
وهذه الشروط الجعلية من المتعاقدين تنقسم إلى ثلاثة أقسام: إما أن تكون مشروعة، وإما أن تكون ممنوعة، وإما أن تكون مختلفاً فيها.
فالشروط المشروعة المتفق عليها أن يقول له: أعطني قرضاً مائة ألف، قال: أعطيك ولكن بشرط أن تحضر كفيلاً غارماً يغرم، هذا شرط اشترطه رب الدين على المدين، وكما لو قال له: أقرضني مائة ألف إلى نهاية رمضان، قال: أقرضك ولكن بشرط أن ترهن دارك أو ترهن عندي رهناً، فهذا شرط، أو يقول له: أقرضني مائة ألف، قال: بشرط أن نسجل هذا الدين وأثبته عليك بكتابة وشهود، قال: قبلت، فإذاً: هذا دين بشرط، وهذا الشرط جعلي من المكلفين، ولكنه مشروع غير ممنوع، وضابط المشروع: أن لا يخالف مقتضى القرض وأن لا يفضي إلى محرم، فمثلاً لو اقترضت من شخص فقال لي: أقرضك هذه المائة ألف بشرط أن لا تشتري بها شيئاً، ومقتضى القرض في الأصل أن أنتفع به وأرتفق، فإذا أخذت المائة ألف على هذا الشرط فماذا أفعل بها؟ فإذاً: هذا يخالف مقتضى العقد، وقالوا: يشترط الرهن ويشترط الكفيل الغارم؛ لأن هذا يحقق مقصود الشرع؛ لأن مقصود الشرع أن يفي المديون للدائن، وأن ترد الحقوق إلى أصحابها، فإذا اشترط عليه الكفيل الضمان للاستيثاق بالرهن، فإن هذا مما يوافق الشرع ولا يخالفه.
النوع الثاني: الشروط المحرمة وهي الممنوعة التي تخالف مقتضى عقد القرض، فإن عقد القرض يقصد منه الارتفاق، فيقول: أقرضك على أن لا تتصرف في الدابة، بأن لا تركبها ولا تبيعها ولا تحلبها، فهذا كله يخالف مقصود عقد القرض، فهذا نوع من الشروط المحرمة.
النوع الثالث: أن يكون الشرط متضمناً للربا مفضياً إليه، كأن يقول له: أشترط عليك فائدة في كل مائة (٦%) أو كل شهر (٥%) فهذا من شرط الربا، ولا يجوز.
فالمقصود: أن كل قرض اشتمل على شرط يجر نفعاً فإنه لا يجوز وهناك شروط اختلف فيها العلماء فمثلاً: يقول له: آخذ منك هذه المائة ألف بشرط أن أسددها في نهاية السنة، فهذا اشتراط التأجيل، فبعضهم يراه جائزاً كالمالكية ومن وافقهم، وبعضهم لا يراه جائزاً كالجمهور، وهناك مثلاً بعض الشروط لا بأس بها وهي مشروعة، وفي بعض الأحيان تكون ممنوعة بنص الشرع، كأن يقول له: أقرضني مائة ألف، قال له: أقرضك مائة ألف بشرط أن تبيعني بيتك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم: (نهى عن بيع وسلف)، فهذا قرض خالف الشرع لورود النص فيه بعينه، قالوا: لأنه إذا اشترط عليه البيع، فالبيع غالباً فيه ربح، فكأنه يعطيه الدين بالدين مع زيادة الربح في صفقة البيع، وهذا ينبه على أن الشريعة حرمت الربا، وحرمت ذرائع الربا، ولا يشترط في الربا أن يقول له: الواحد باثنين أو الواحد بثلاثة.
ومن هنا كان الفقه في مسائل المعاملات والمعاوضات مهم، فهي في بعض الأحيان تتضمن المحذور بطريقة الذريعة والوسيلة.
إذاً: كل قرض اشتمل على شرط جر نفعاً فهو ربا، أما لو أنه اشترط عليه ما فيه رفق به، فهذا فيه تفصيل عند العلماء، ومن أمثلته مثلاً، لو قال له: أسلفني مائة ألف، قال له: أسلفك مائة ألف، قال له: والله أنا لا أستطيع أن أسدد المائة ألف لكن أسدد لك ثلاثة أرباعها، قال له: إذاً: أسلفتك وخذ خمسة وعشرين منها وردّ خمسة وسبعين، فإذاً: أسلفه بشرط أن يحله من ربع الدين، ويرد له ثلاثة أرباع الدين، قالوا: هذا لا بأس به ولا حرج فيه.