قال رحمه الله:[فإن دفعه فأنكر زيد الوكالة حلف وضمنه عمرو].
هنا مشكلة: لو كان شخص مديوناً لشخص، وجاء من يدعي الوكالة، قلنا: إذا وجدت البينة فلا إشكال؛ لكن الإشكال إذا لم توجد بينة، فالأصل أنك لا تدفع هذا المال إلا لصاحبه الأصلي، فلو أنك خاطرت ودفعت المال، ثم حضر صاحب المال، وقال: يا فلان! أعطني العشرة الآلاف التي لي عليك، قال له: أعطيتها لوكيلك فلان، قال: ما وكلت فلاناً، فأنكر صاحب الحق الوكالة فما الحكم؟ هل نقول: ذمة المديون برئت، ويجب على صاحب المال أن يكون وجهه على من ادعى الوكالة؟ أم نقول إن وجهه على المديون؟ قالوا: الحكم كالتالي: أولاً: المديون حينما دفع المال لمن ادعى الوكالة بدون بينة قد فرط، وخاطر بالمال وبنفسه، فعرض نفسه لتحمل المسئولية؛ لكن يبقى شيءٌ مهم وهو: أن المديون ادعى أن زيداً -وهو صاحب الحق- قد وكل عمراً، فإن كان زيد ينكر الوكالة فشرعاً نطالبه أن يحلف اليمين أنه لم يوكل عمراً، فإذا حلف اليمين وأثبت بيمينه اعتضدت اليمين مع الأصل؛ لأن الأصل عدم الوكالة، وقلنا: إن اليمين دائماً تعضد الأصل، فيصبح الأصل مع اليمين بمثابة شاهدين، الأصل شاهد، واليمين شاهد، وقد جعل الله الأيمان بمثابة الشهود، ولذلك في اللعان يحلف الرجل أربعة أيمان وشهادات بالله عز وجل حتى يجب الحد على المرأة.
فإذاً: اليمين تقوم مقام الشاهد والأصل مقام شاهد ثانٍ، وإذا ثبت حلفه وحلف اليمين فإننا نلزم ذلك الرجل بدفع الدين مرةً ثانية، ثم يقيم دعوى عند القاضي أن فلاناً كذب عليه وادعى الوكالة وأخذ منه عشرة آلاف بدون حق، فيحضر هذا الظالم إذا كان كاذباً في أمره، ويؤخذ منه الحق لكن لو أن الكذب كان من الموكِّل والعياذ بالله، فالموكل فعلاً وكل فأخذ العشرة آلاف، ثم أخذ عشرة آلاف ثانية فحينئذٍ نحكم بوجوب دفع العشرة الآلاف الثانية كما ذكرنا؛ لأن المديون فرط، ثم يقوم الوكيل بدعوى ضد هذا الذي كذب وأنكر الوكالة فيطالبه؛ لأن المديون سيطالب الوكيل، والوكيل سيطالب الموكِّل فتجري على هذا الوجه.
باختصار: نحكم أولاً بوجوب اليمين على الموكِّل أنه ما وكل، فإن حلف اليمين أوجبنا على المديون دفع العشرة آلاف، فأصبح الموكل الكاذب قد حاز عشرين ألفاً، فيكون المديون دفع عشرين ألفاً، والواجب عليه عشرة آلاف فكيف يكون القصاص؟ قالوا: المديون يقتص من الوكيل الذي ادعى الوكالة؛ لأنه في الظاهر كاذب، فيقيم عليه الدعوى أنه كذب في وكالته ويأخذ منه العشرة الآلاف، ثم الوكيل هذا الذي كُذّب في وكالته، يقيم دعوى أخرى أن فلاناً قد أخذ منه العشرة آلاف، ثم بعد ذلك يقاصصه بها ويطالب باليمين، وعلى هذا يكون قد وصل كل ذي حقٍ إلى حقه.