ما هي المدة التي يقصر فيها المسافر؟ ومتى يعتبر المسافر مقيماً؟
الجواب
المدة التي يقصر فيها المسافر أن يكون ناوياً للجلوس أقل من أربعة أيام غير يوم الدخول والخروج، فإذا نوى أن يجلس أربعة أيام غير يوم الدخول ويوم الخروج لزمه الإتمام من أول وصوله إلى المدينة، فلو سافر من مكة إلى الرياض وفي نيته أن يجلس السبت والأحد والإثنين والثلاثاء، ثم يسافر الأربعاء وكان سفره يوم الجمعة فمكث السبت والأحد والإثنين والثلاثاء، لزمه الإتمام عند وصوله إلى الرياض، وحكمه حكم المقيم بالوصول.
وأما إذا قدم إلى الرياض وهو لا يدري كم سيجلس، ولا يدري كم المدة، فإنه يقصر مدة جلوسه ولو طال؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك كان ينتظر العين، فأرسل عيونه، وكانت تبوك ماء من مياه العرب، لم تكن مدينة كحالها اليوم، ولا قرية وإنما كانت ماء من مياه العرب، ونزل عليه الصلاة والسلام فأرسل عيونه ولا يشك أحد -وهذا يعرفه أهل السير- أنه لا يدري هل سيبقى يوماً أو يومين أو ثلاثة؛ لأنه أرسل عيونه لينظروا جيش بني الأصفر -وهم الروم- هل عندهم نية لغزو النبي صلى الله عليه وسلم أو لا، وهذا أمر يستغرق وقتاً طويلاً، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يدري متى يرجعون، قد يكون أرسل عينه ثم يأتيه العين اليوم الثاني ويقول: هم على ماء كذا، أو هم قد خرجوا على موضع كذا، ومن المعلوم أن بين تبوك والشام مفاوز، ولذلك لم يعلم النبي صلى الله عليه وسلم قطعاً كم سيمكث.
وجمهور العلماء والأئمة كلهم يحتجون بهذا الحديث على أنه إذا لم يعلم مدة مقامه أنه يقصر، وأن حديث تبوك ليس من التحديد في الشيء؛ لأن البعض يظن أنه دليل على أنه يقصر الصلاة لو نوى سبعة عشر يوماً، وهذا ليس بصحيح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يعلم المدة التي سيمكثها في تبوك؛ لأنه أرسل عينه، والعين قد يأتيه بالخبر اليوم أو بعد يومين أو ثلاثة أو أربعة، فهذه الحالة الأولى للمسافر.
الحالة الثانية: أن يكون ناوياً لأقل من أربعة أيام؛ فإنه يقصر ولا بأس ولا حرج أن يصلي الرباعية ثنائية ولو في منزله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في ذلك كما في الصحيح في قصة مسجد الخيف، وهذا بالنسبة للمدة التي تقصر فيها الصلاة: أن تكون أقل من أربعة أيام غير يوم الدخول والخروج أو لا يعلم المدة التي سيمكثها؛ ولذلك مكث أنس بن مالك رضي الله عنه في فتح تستر أكثر من ثلاثة أشهر وهو يقصر الصلاة؛ لأن الثلج حبسهم.
والأصل عند جمهور العلماء رحمهم الله أن المدة محددة، والدليل على تحديد الأربعة الأيام: حديث (أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للمهاجرين أن يبقوا في مكة ثلاثة أيام)، فدلت هذه السنة على أن المسافر ينتقل من كونه مسافراً إلى كونه مقيماً في اليوم الرابع؛ لأنه رخص لهم ثلاثة أيام، وهم قد تركوا مكة لله، والمهاجر لا يجوز له أن يرجع إلى بلده فيقيم بها، فلما أجاز لهم ثلاثة أيام ومنعهم من اليوم الرابع دل على أنهم في اليوم الرابع يكونون في حكم المقيم.
وعلى هذا؛ فإنه يحدد بهذا القدر من الأيام غير يوم الدخول والخروج، فلو سافر يوم الجمعة ووصل يوم الجمعة ويسافر يوم الأربعاء، فحينئذٍ تتحقق المدة، لكن لو كان يصل يوم السبت، ويسافر الأربعاء؛ فإنها ثلاثة أيام، فيقصر، فالعبرة بإلغاء يوم الدخول ويوم الخروج حتى تتمحض هذه المدة على ظاهر السنة.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه وآله وصحبه أجمعين.