للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[ما يباح للمرأة عند انقطاع الدم]

قال المصنف رحمه الله: [وإذا انقطع الدم ولم تغتسل لم يبح غير الصيام والطلاق].

المرأة إذا طهرت من الحيض، ورأت علامة الطهر، فهذه مرحلة أولى، تليها مرحلة ثانية وهي: تطهرها بنفسها، وذلك بالغسل من الحيض، فعندنا طهارتان: طهر للموضع بانقطاع الدم وبدوّ علامة الطهر، وطهر للمرأة، فالأول ليس بيدها، والثاني بيدها.

فإذا طهرت المرأة وتطهّرت -اغتسلت- فتخرج بالإجماع من أحكام الحيض ولا إشكال، لكن الإشكال لو طهرت من حيضها ولم تطهّر نفسها بالغسل؛ فهل يجوز أن يأتيها الرجل، أو لا يجوز أن يأتيها؟ وهل يجوز أن تتلبس بالمحظورات من الصيام ونحوه؟ قال رحمه الله: (لم يبح) يعني: لا يجوز له أن يجامعها إذا خرجت من حيضتها ولم تتطهّر، فلم يبح له أن يجامعها إلا بعد غسلها.

وهذا مذهب جمهور العلماء.

وخالف الإمام أبو حنيفة النعمان رحمة الله عليه وعليهم، فقال: إذا انقطع دم الحيض جاز للرجل أن يجامع امرأته ولو لم تغتسل.

والصحيح: أنه لا يجوز أن يجامع إلا بعد اغتسالها؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة:٢٢٢].

فالإمام أبو حنيفة يقول: (لا تقربوهن حتى يطهرن) فإذاً الجماع مؤقت بوجود الحيض، وما شرع لعلة يبطل بزوالها كما هي القاعدة في الأصول، فلما زال دم الحيض زال المانع، فجاز له أن يجامع، هذا بالنسبة لقول الإمام أبي حنيفة.

لكن الجمهور قالوا: إن في الآية غاية وشرطاً؛ فالغاية في قوله: (حتى يطهرن)، والشرط في قوله: (فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله).

قال الإمام أبو حنيفة: العبرة بالغاية؛ لأن القاعدة في الأصول: أن ما بعد الغاية يخالف ما قبلها في الحكم؛ لأنه لو كان الذي بعد الغاية كالذي قبلها فأي فائدة للغاية؟ فإذاً فائدة وجود الغاية أن تعرف أن ما بعدها يخالف ما قبلها في الحكم.

فالإمام أبو حنيفة رحمه الله يقول: (حتى يطهرن) وقّت الله عز وجل به القربان، وهو الكناية عن الجماع، ففهمنا أنها إذا طهرت جاز أن يأتيها.

ولكن الصحيح مذهب الجمهور: أن في الآية غاية وشرطاً، وهذا له نظائر: فإن الله عز وجل يقول: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء:٦] فقال: (حتى إذا بلغوا النكاح) فهذه غاية؛ وقوله: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} هذا الشرط، فلا مانع أن تثبت الغاية مع عدم ثبوت الشرط.

فنقول: إن آية الحيض فيها غاية وفيها شرط، والقاعدة: أنه إذا تخلف الشرط تخلف المشروط، وإذا وجد الشرط حكم بالمشروط.

فإذًا نقول: إذا وجد الاغتسال صح منه أن يجامع، وإلا فلا.

الدليل الثاني على رجحان مذهب الجمهور: أن الله عز وجل قال: {حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة:٢٢٢] ثم عقب بقوله: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} [البقرة:٢٢٢] فأسند الطهر لأنفسهن بقوله: (فإذا تطهرن) أي: فعلن الطهر، وهناك قراءة: (حتى يطهرن) بالتشديد، وتصلح أن تكون دليلاً كما أشار غير واحد من أهل العلم، واختاره الإمام الماوردي في جوابه في الحاوي.

فالمقصود أن أصح الأقوال: أنه لا بد في جماع المرأة من أن تطهر وتغتسل، فإذا طهرت ولم تغتسل فلا يجوز جماعها، وإنما يتريث حتى يتم الشرط الذي أمر الله عز وجل به.

قال: (حل لها الصيام والطلاق) يباح لها الصيام، وأيضاً يجوز تطليقها، فالحيض يمنع الطلاق؛ ولذلك قال صلى الله عليه وسلم لـ ابن عمر لما أخبر عمر -والده- النبي صلى الله عليه وسلم أنه طلق امرأته وهي حائض، قال: (مره فليراجعها -ونهاه عن أن يطلقها- ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض ثم تطهر، ثم إن شاء طلق وإن شاء أمسك، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء)، إذاً: لا يجوز تطليق المرأة الحائض؛ ولذلك يأثم من يطلقها، ثم هل يقع الطلاق، أو لا يقع؟ محله -إن شاء الله- كتاب الطلاق.

المقصود: أنه لا يجوز أن تطلق المرأة حال حيضها، فلو انقطع دمها ولم تغتسل، ووقع الطلاق بعد انقطاع الدم وقبل الغسل، فما الحكم؟ قال: وقع الطلاق؛ لأن الطلاق لا يتأقت باغتسال، أما بقية الممنوعات فلا بد فيها من الاغتسال كما قلنا: كالجماع ودخولها المسجد، كذلك أيضاً مرورها به، ولبثها فيه ونحو ذلك من ممنوعات الحيض.

<<  <  ج:
ص:  >  >>