هل ضرب الدف مقيدٌ بالأعراس فقط أم يتعدى إلى الأعياد والمناسبات؟
الجواب
باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على خير خلق الله وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد: فمن حيث الأصل الشرعي في قوله عليه الصلاة والسلام: (أعلنوا النكاح واضربوا عليه بالدفوف)، يدل على أن ضرب الدف مباح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أحلّه وأذن به، وصحيح أنه أذن به بالنكاح لكن يقال: إنه من باب الإعلان، وإنما يستقيم تخصيصه بالنكاح إذا كان الأصل تحريم الدف، فجاء استثناء النكاح، وهذا معروف في الأصول عند العلماء رحمهم الله، أنه لا يقال: إن الشيء حرام ولا يجوز إلا في حالة كذا، إلا بدليلين؛ الدليل الأول يقتضي أن الأصل تحريمه، والدليل الثاني يستثني، فتقول: الأصل حرمته إلا ما دلّ الدليل على إذنه وحله وهي حالة الضرورة أو حالة الجواز فيتقيد بها، فيرد السؤال: هل الأصل حل الدف أو تحريمه؟ فلما كان الدف يختلف عن آلات الزمر والغناء، يختلف من جهة طبعه ويختلف من جهة تأثيره، وقد بينا هذا وأشرنا إليه، ومن هنا قال طائفة من أهل العلم رحمةُ الله عليهم واختاره بعض مشائخنا رحمهم الله أن الأصل جوازه حتى يدل الدليل على تحريمه وأنه باق على البراءة الأصلية، خاصةً وأن النبي صلى الله عليه وسلم اختاره للنكاح فقال:(أعلنوا النكاح واضربوا عليه بالدفوف)، فاختار له المباح وترك المحرم على الأصل، فدل على أنه مباحٌ وجائزٌ من هذا الوجه.
وقال بعض أهل العلم: أن الدُّف الأصل تحريمه، قالوا: لأنه من آلات الغناء، وآلات الغناء والمجون تثير الفاحشة وتدعو إليها، وقد قال صلى الله عليه وسلم:(كل لهوٍ باطل)، فنقول: إن الأصل تحريمه حتى يدل الدليل على جوازه، فجاء الدليل من النبي صلى الله عليه وسلم يقول:(أعلنوا النكاح واضربوا عليه بالدفوف)، فنخصه بالنكاح، وهذا مُشكل؛ لأنه لو كان الأصل تحريمه لما أحله في نذر المرأة، فالمرأة نذرت أن تضرب على رأسه بالدف، فلو كان الأصل تحريمه لكان عليه الصلاة والسلام -وهو الذي لا يأذن بالحرام على رأسه- قال لها: يا أمةَ الله! غني ولا تضربي بالدف، فبالإجماع لكن كونه يأذن به في النذر، فبالإجماع أن النذر لا يجب الوفاء به إذا كان بمحرم، والشريعة لا تتناقض، ولا يمكن أن يأتي ويقول لها: أوفي بنذرك؛ لأن الوفاء بالنذر واجب؛ لأنه إذا كان محرماً فلا يجب الوفاء بمحرم.
فدل على جواز الضرب به إذ لا يمكن أن يحل الله عز وجل لعباده شيئاً محرماً.
فهذه مسألة خلافية، فلو قال شخص بتحليله وضرب به تأويلاً للسنة فلا ينكر عليه ولا يثرب عليه؛ لأن له وجهاً من السنة وله سلف يقولون بقوله، وإذا قال بالتحريم فلا ينكر عليه ولا يثرب عليه، بل يفعل ما يعتقده.
وانظر إلى رسول الأمة صلى الله عليه وسلم، لو كان الدف الأصل تحريمه وجاءت المرأة تضرب على رأسه، فهل يترك أذنيه تسمع الدف وهو أورع الخلق صلوات الله وسلامه عليه، وهو أتقى الناس لله عز وجل؟ ثم أمر بالوفاء بالنذر، فهل يسكت عليه الصلاة والسلام ويتركها؟ وما أبيح للضرورة يقدّر بقدرها، فلو كان الأصل حرمة سماعه وحرمة ضربه لما أذن به عليه الصلاة والسلام وهو أتقى الخلق لله؛ ولذلك لا ينبغي أن تفخم هذه المسألة أكثر مما تستحق بأن يشنع على من يحرم أو يشنع على من يحل، فمن سمعه يتأول الحل فلا شيء عليه، ومن تركه يتقي الله عز وجل ويطلب الأورع لدينه فلا شيء عليه، لكن ننبه على مسألة: وهي أنه حتى ولو قلنا بحله فكون الإنسان يسمع الدف قائماً قاعداً ويجعل الدف دائماً عنده ويجعله سلوته لا شك أن هذا يؤثر على نفس الإنسان، فالضحك والمزح مباح، ولكن الإنسان إذا أكثر من سقطت مروءته ومات قلبه واستخف أمره نسأل الله السلامة والعافية، فحل الدف لا يقتضي من الإنسان أن يتوسع فيه أو أن نطبع الأشرطة ونعتني بالأشرطة التي فيها الدف ونتوسع في ذلك ونشغل الأخيار والصالحين بها! لا.
بل ينبغي علينا أن نسمو إلى الأكمل وإلى الأفضل -حتى على القول بحله- وأن نشغل الناس بما ينفعهم في دينهم ودنياهم وآخرتهم، وعلى هذا لا تفريط، فلو أنشدت الأناشيد الحماس التي تدعو إلى الجهاد في سبيل الله وتذكر بالسلف الصالح وأمجاد الأمة فهذا شيء ليس فيه من معارضة، وهو متفق مع الأصول الشرعية ويحدث في النفس محبة للخير ولبذل النفس في سبيل الله عز وجل، فكل هذا مندرجٌ تحت أصول شرعية تقره ولا تنكره، وتثبته ولا ترفضه.
وعلى هذا: فإن الذي يظهر -والعلم عند الله- أنه يبقى على الأصل، لكن لا يتوسع في هذا الأمر كما سبق وأن بينا ونبهنا عليه، والله تعالى أعلم.