[أدلة عدم وجوب التسمية في الوضوء]
يبقى الإشكال في مذهب الجمهور, فإنهم يرون أن التسمية ليست بواجبة، وعندهم أدلة: أولاً: دليل الكتاب, وثانياً: دليل السنة, ولهم جواب عن هذا الحديث.
أما دليل الكتاب: فإن الله عز وجل قال في كتابه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة:٦] ولم يأمر بالتسمية، ولو كانت واجبة لأوجبها، كما قال تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام:١١٨] وقوله: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام:١٢١] فلم يأمر بالتسمية في الوضوء في كتابه, وجاءت السنة تؤكد هذا بقوله عليه الصلاة والسلام للأعرابي: (توضأ كما أمرك الله) فلو كانت التسمية واجبة لذكرها الله عز وجل.
الدليل الثاني من السنة: حديث عثمان وعبد الله بن زيد -رضي الله عن الجميع- في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك حديث علي، فإنه لم يذكر واحد منهم التسمية, ولو كانت واجبة لما تركها النبي صلى الله عليه وسلم ولسمّى قبل وضوئه حتى تسمع تسميته وتنقل؛ لأنه في معرض البيان، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (من توضأ نحو وضوئي هذا) الحديث.
وبناء على ذلك: قالوا: إن هذه السنة تدل على عدم وجوب التسمية، أما حديث: (لا وضوء لمن لم يسمِّ) فأجابوا عنه سنداً ومتناً, أما سنداً: فالضعف الذي فيه, وكذلك أيضاً من وجه السند أنه معارض بما هو أصح منه, فإنه حسن، والحديث الذي لم يذكر التسمية في الصحيحين بل من أعلى الصحيحين، والحسن إذا تعارض مع الصحيح سقط اعتباره, كما أشار إلى ذلك بعض الفضلاء بقوله في الحديث الحسن: وهو -أي: الحديث الحسن- في الحجة كالصحيح ودونه إن صير للترجيح أي: أن الحديث الحسن يحتج به, ولكن إذا عارض الصحيح فإنه يسقط الاحتجاج به، هذا من جهة السند.
أما من جهة المتن فقوله: (لا وضوء لمن لم يسمِّ) نفي مسلط على الحقيقة الشرعية، وهي مسألة أصولية معروفة بقولهم: إذا تسلط النفي على الحقيقة الشرعية هل يحمل على الصحة أو على الكمال؟ وجهان: فإذا انتفى حمله على الصحة وجب حمله على الكمال, فإذا كان حمله على الصحة يعارض النصوص فيجب صرفه إلى الكمال.
وما معنى هذه القاعدة؟ النفي بقوله: (لا) مسلط على الحقيقة الشرعية -وهي الوضوء- فهل يحمل على الصحة أو يحمل على الكمال؟ قلنا: يحمل على الصحة ما لم يتعارض مع الدليل، فيجب صرفه إلى الكمال، فيكون هذا النفي بسبب معارضته للأحاديث الأخرى محمولاً على نفي الكمال, أي: لا وضوء كامل لمن لم يسمِّ، أو لمن لم يذكر اسم الله عليه كما في الرواية الثانية, وبهذا يجمع بين النصوص وتكون التسمية مستحبة لا واجبة.
ومع هذا ينبغي للمسلم أن يحتاط وأن يأخذ بالأكمل، فإن أولى الناس بقبول عمله الصالح هو من كان أقرب إلى الكمال باتباع النبي صلى الله عليه وسلم، وينبغي على طلاب العلم دائماً أن يأخذوا بأحوط الأقوال لما في ذلك من الأخذ بالكمالات, ولما فيه من بالغ تقوى الله عز وجل وحب الخير والحرص عليه, فيحرص الإنسان على ذكر اسم الله عز وجل.