للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حكم وضوء من أكل لحم الجزور]

قال رحمه الله: [وأكل اللحم خاصةً من الجزور] كان في أول الإسلام إذا أكل الإنسان اللحم وجب عليه أن يتوضأ؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (توضئوا مما مست النار) فأمر بالوضوء من كل شيء طُبِخَ في النار، ثم نسخ ذلك وبقي في الجزور؛ وذلك لما ثبت في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له: (أنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إن شئت، قيل له: أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم) فنص عليه الصلاة والسلام على وجوب الوضوء من لحوم الإبل دون غيرها.

وذهب طائفة من العلماء إلى أن الأمر بالوضوء من لحوم الإبل منسوخ، وهو مذهب مرجوح، واحتجوا له بحديث جابر (كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار) وهذا الحديث الذي ذكروا أنه ناسخ محل نظر؛ لأن فيه علة في إسناده أشار إليها ابن أبي حاتم رحمة الله عليه في كتابه العلل في الجزء الثاني، وهو أن هذا الحديث أصله: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل كتف شاة ثم صلى ولم يتوضأ) فرواه الراوي بالمعنى، ولذلك يبقى الحكم أن من أكل لحم الجزور فإنه يجب عليه أن يعيد الوضوء، وهذا الحكم خاص بلحم الجزور.

ويرد

السؤال

هل إذا شرب لبن الجزور يجب عليه أن يعيد وضوءه؟

الجواب

لا.

وحديث الأمر بالوضوء من لبن الجزور ضعيف، والصحيح أنه خاص بلحم الجزور.

واختلف في الكبد والسنام؟ فقال بعض العلماء: إنه يتوضأ منها وهو أحوط، وقيل: إنه لا يتوضأ منها، وهو أقوى من جهة النص، فإن السؤال ورد على النبي صلى الله عليه وسلم: أنتوضأ من لحوم الإبل؟ فنص على اللحوم ولم يذكر الكبد ولا بقية أجزاء الإبل كالسنام ونحوه، فإنه ليس بلحم وإنما هو شحم، فمن أكل سنام البعير لا يدخل في هذا الحكم، وهكذا من شرب لبن الإبل فإنه لا يحكم بانتقاض وضوئه؛ لأن الأصل الطهارة حتى يدل الدليل على انتقاضها ولا دليل، والدليل إنما ورد في اللحم فيبقى الحكم مقصوراً عليه.

وهنا مسألة: قال بعض العلماء: يجب الوضوء من لحوم الإبل؛ لأن فيها زهومة وفيها قوة، فلو أكل لحم السباع وجب عليه أن يتوضأ؛ لأن فيها ما في الإبل من القوة.

وقد يرد السؤال: كيف يأكل لحم السبع وقد حرم النبي صلى الله عليه وسلم أكل كلِّ ذي ناب من السباع؟ والجواب: تتأتى صورة المسألة فيما لو كان الإنسان في سفر فأصابته مخمصة أي: مجاعة، فاضطر إلى أكل لحم أسد أو سبع، فحينئذٍ يرد السؤال: هل انتقض وضوءه كالحال في لحم الإبل أو لم ينتقض؟ وأصح الأقوال: أنه لا ينتقض وضوءه.

<<  <  ج:
ص:  >  >>