إذا كان الماء مخصوصاً بالمسجد فلا يجوز إخراجه عن المسجد، مثلاً: الماء الذي في دورات المياه، فإنه لا يشك أحد أن صاحب المسجد قصد منه الوضوء، وقصد منه الطهارة، وقصد منه الإعانة على الصلاة، فكل ما كان داخلاً في هذا الشيء الذي يدل عليه الحال، فإنه يجوز للإنسان أن يرتفق به.
أما لو أخرجه عن هذا الحد كأن يملأ الماء ويذهب به إلى بيته من أجل الشرب أو غير ذلك، فإن هذا يضر بمصلحة المصلين، ويضر بمصلحة من في المسجد، والأشد من ذلك والأدهى أخذ المياه من دورات المياه لغسل السيارات، أو نحو ذلك من المصالح الخاصة، فهذا الأمر فيه أشد؛ لأن الماء موقوف، ودلالة الحال تدل على أنه مخصوص بهذا الموضع.
فالماء الموجود في المسجد مخصوص بالمسجد؛ لأنه لو يريده خارج المسجد لأخرجه عن المسجد، ولذلك ينبغي أن يُقيد به، ومن هنا قال أهل العلم: إذا وضع القرآن أو المصحف في المسجد لم يجز إخراجه، وإذا وُضِعت كتب العلم في مكتبة وخُصّت بها لم يجز إخراجها إلا إذا كانت -مثلاً- المدرسة نفسها تابعة للمكتبة أو نحو ذلك مما هو في حكم التبعية لهذا الموضع الذي خُصت به.
فلا بد من التقيد في الأوقاف بأحوالها وصفاتها، ونحن قلنا: إن دلالة الأفعال كدلالة الأقوال، فصاحب المسجد إذا وضع خزاناً على دورات المياه فلا يشك أحد أنه وضعه من أجل دورة المياه، فإذا أخرج للناس ماءً من أجل أن يشربوا فهذا للسابل والطريق، لكن إذا أدخله إلى المسجد فما الذي دعاه أن يتكلّف مئونة وعبء إدخاله إلى المسجد، إلا قصد أن يكون صدقة على من في المسجد.
ويتفرع على هذا أنه لو وضع ثلاجة ماء من أجل أن يشرب منها الناس، فلا يجوز لأحد أن يتوضأ أو يغتسل منها؛ لأن هذا الماء مجعول من أجل الشرب، وليس بمجعول من أجل الوضوء أو الغسل، ولذلك إذا اغتسل أو توضأ منها الناس أضروا بمصلحة المبرد للماء -الثلاجة- ولربما تضررت، وإذا وضعت من أجل السقي جاءها المحتاج للسقي، لكن يجدها فارغة؛ كلما بردت فُرِّغت من أجل الوضوء أو الاغتسال، أو قد يقل تبريدها وتقل مصلحتها، ويقل أجرها في نفع من يحتاج إلى الشرب الذي أُوقفت عليه.
فلابد من العناية بهذا، فما جُعل وقفاً على جهة أو على وجه فإنه يتقيد به، وهذا إن شاء الله سنبينه أكثر عند بياننا لشرط الواقف ولزوم التقيد به.