للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حكم من نوى صيام يوم ثم سافر في أثنائه]

[وإن نوى حاضر صيام يوم ثم سافر في أثنائه فله الفطر].

هذا مذهب جماهير أهل العلم رحمة الله عليهم: أنه إذا أقام ثم طرأ عليه السفر في أثناء اليوم، فإنه يجوز له أن يفطر، فلا يشترط في المسافر أن يكون قد بيت النية بالسفر، فلو طرأ عليك السفر أثناء اليوم حل لك أن تفطر بمجرد خروجك من المدينة.

والأصل في ذلك أن الله تعالى يقول: {أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [البقرة:١٨٤]، فوصف الإنسان بكونه على سفر.

وذهب بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى جواز الفطر في داخل المدينة، وكان بعض العلماء يقول بجواز الفطر بالنية، وهذا من أضعف المذاهب؛ لأنه يخالف نص القرآن وهدي النبي صلى الله عليه وسلم، فإن نص القرآن الثابت في كتاب الله عز وجل أنه وصف الإنسان بكونه على سفر، والذي على سفر لا يكون مسافراً إلا إذا أسفر، والإنسان لا يقال: إنه على سفر، إلا إذا خرج وأسفر، والإسفار يتحقق بخروجك من آخر عمران المدينة؛ فإذا خرجت من آخر عمران المدينة حل لك أن تفطر، وأما إذا كنت داخل المدينة فإنه لم يتحقق كونك مسافراً.

ولذلك يقولون: إنه لا يرخص له الفطر إلا إذا جاوز آخر العمران، وقد بينا ضوابط مجاوزة آخر العمران في باب صلاة المسافر في كتاب الصلاة، وبينا ضابط ذلك، وما أثر عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كـ أبي بصرة الغفاري رضي الله عنه من كونه أفطر وهو يرى البنيان، قال العلماء في جوابه: إن قوله: إن ذلك من السنة، مراده: أنه لا يشترط أن يغيب عن نظرك رؤية العمران؛ فهناك مسألتان: المسألة الأولى: خروجك من المدينة.

والمسألة الثانية: إذا خرجت من المدينة هل يشترط أن تغيب العمران، بمعنى أن تبعد وتبعد حتى إذا نظرت لا ترى أثراً للعمران، أم أن العبرة بمجرد خروجك؟ فظاهر ما جاء عن أبي بصرة أنه حينما كان على مركبه وسفينته على دجلة أنه كان يرى العمران، فدل على أن رؤية العمران لا تسقط الرخصة، وهذا صحيح ويقول به الجمهور: أن العبرة بمجاوزتك للعمران، وأن رؤيتك له ولو كنت على متر من العمران جاز لك أن تفطر، فلا يشترط عدم الرؤية، وفرق بين مسألة الرؤية وبين مسألة النية.

ومما يدل على أن الشرع رخص في السفر؛ أنه أعطى رخصتين: الرخصة الأولى: قصر الصلاة.

والرخصة الثانية: الفطر في الصوم، وكلاهما من جنس العبادة، ومع هذا فإنه لا يقصر الصلاة بالإجماع وهو في المدينة، ولو كانت نيته السفر، ويدل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بالمدينة أربع ركعات، مع أنه ناو للسفر لحجة الوداع، فصلى العصر بذي الحليفة ركعتين، فمعنى ذلك أنه إذا أصبح ذلك اليوم وهو ناو للسفر لم يقصر الصلاة، وكذلك في الصوم، لو أصبح وهو ناو للسفر لا يباح له الفطر ما لم يخرج من المدينة ويجاوز عمرانها على الصفة التي ذكرها في باب صلاة المسافر.

<<  <  ج:
ص:  >  >>