أما بالنسبة للحكم والفوائد التي يمكن أن نستفيدها من مشروعية الشفعة: فأولاً: تصوير الشفعة تركناه إلى التعريف الاصطلاحي الذي سيذكره المصنف رحمه الله، فهو ذكر تعريفه الاصطلاحي ولذلك لن نذكر التعريف الاصطلاحي لأنه موجود في المتن.
الشفعة تقوم على صورتين: الصورة الأولى: أن يكون الاشتراك في العقارات.
والصورة الثانية: أن يكون في المنقولات.
فالشفعة المجمع عليها والمعمول بها هي الشفعة التي تكون في العقارات التي لم تقسم، ولذلك سنمثل ونصور الشفعة بهذا الشيء المجمع عليه، ومثال ذلك: لو أنك اشتركت مع رجل فاشتريتما أرضاً بمائة ألف دفع كل منكم نصفها، ثم بدا لصاحبك أن يبيع النصف الذي يملكه -قبل أن تقسم الأرض بينكما- بمائة ألف، فباعه لرجل آخر، فالشريعة تعطيك الحق متى ما علمت بهذا البيع أن تقول: أنا شافع، فإذا قلت: أنا شافع، وطلبت الشفعة؛ من حقك أن تأخذ هذا النصف الذي باعه شريكه بنفس الثمن الذي اتفق عليه الطرفان حتى ولو لم يرضَ.
قضى بهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصبح مشروعاً لحكم عظيمة: منها: دفع الضرر الذي قد يقع عليك بقسمة العقار؛ لأن الشريك القديم ربما يرضى بكونك معه في العقار ولا يقاسمك، لكن إذا جاء الأجنبي ربما قال لك: أريد أن أميز نصفي عن نصفك، فأنت تتضرر، مثلا: لو كانت المزرعة مشتركة بينكما أو كان المخطط مشتركاً بينكما فإنك تستطيع أن تنتفع بجميع مصالحه وأن ترتفق بذلك؛ لكن إذا دخل هذا الأجنبي ربما أدخل عليك الضرر، وببيع صاحبك لنصفه كأنه ميز نصفه عن نصفك.
الضرر الثاني: أنه ليس كل شريك ترضى به، فقد ترضى بالشريك الأول ولا ترضى بالشريك الثاني، وقد تأمن الشريك الأول ولا تأمن الشريك الثاني، فقد يكون عند الإنسان شركة مع رجل في أرض يحتاج إلى إخراج أهله أو عرضه لها كالمزارع ونحوها، فيأمن شريكاً ولا يأمن شريكاً آخر، وقد يتضرر بشريك أكثر من غيره، وقد أشار الله تعالى إلى هذا المعنى:{وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا}[ص:٢٤] والخلطاء يعني: الشركاء؛ ولذلك ما ترك القرآن شيئاً، كان الإمام الشافعي رحمه الله يقول:(ما من شيء إلا وهو في كتاب الله) حتى نفسية الشركاء وتعاملهم، والأضرار والمفاسد المترتبة على الإنسان منفرداً أو مشتركاً مع غيره بينها كتاب الله عز وجل.
(وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ) بين أن الغالب والأكثر حصول الضرر بالشركات، فإذا كانت هذه قاعدة، وهي:(أن الشراكة توجب الضرر) وأن اجتماع الاثنين فأكثر في شيء الغالب أن فيه ضرر، وأنه لا يأمن من هذا الأجنبي الذي دخل عليه؛ فإن الشريعة أعطت القديم الحق في دفع هذا الضرر، وبناء على ذلك تنظر إلى حكمة الشريعة: فأنت إذا دخل عليك أجنبي في أرضك إن كنت ترضاه ستسكت وستترك البيع كما هو وتقول: رضيت بك بدلاً عن فلان، وقد يكون خيراً من الشريك الأول، ولكن إذا كان فيه ضرر فإنك لا ترضى بذلك، وحينئذٍ لو جعلت الشريعة الشريك مكتوف اليد لتضرر، ولو أنها أجازت له أن يسترد بأي ثمن لضرت طالب الشفعة فعدلت بين الناس، قالت: من حقك أن تشتري هذا النصيب بنفس الثمن لا تزيد ولا تنقص منه، فلا يطالِب الأجنبي بزيادة، فلو اشترى بمائة ألف، وقال: أريد مائة وعشرين، تمنعه الشريعة من الزيادة، وتقول: ليس لك إلا المائة وحدها، وهذا عين العدل أخذ ماله ودفع الضرر، ثم إذا أراد أن يشتري عقاراً ثانياً فله ذلك، لكن هذا العقار الذي فيه شركة وخلطة لا ينبغي أن يفتح بابه، ولا ينبغي أن تكون معاملة البيع سبباً في إيقاع الضرر على المسلم، فدفع الله عز وجل هذا الضرر بإثبات الشفعة وشرعها لعباده، ولله في ذلك الحكمة التامة البالغة كما قال تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ) [الأنعام:١١٥] سبحانه وتعالى.
هذا الباب يتكلم العلماء فيه عن الشفيع وهو الذي له حق طلب الشفعة، ويتكلم العلماء فيه عن الشخص الذي يشفع منه ويؤخذ النصيب منه وهو الأجنبي المشتري، وكذلك يتكلم العلماء فيه على المحل الذي تكون فيه الشفعة وهو النصيب الذي باعه الشريك، ما هو محل الشفعة؟ وما الذي تقع فيه الشفعة؟ وما الذي لا تقع فيه الشفعة؟ وما الحكم إذا تغير هذا المحل بزيادة أو نقص؟ كل ذلك يبين العلماء رحمهم الله أحكامه في باب الشفعة.