قال رحمه الله تعالى:[فإن قطعها في أثناء الصلاة أو تردد بطلت].
بعد أن بين رحمه الله أنه يلزمك أن تنوي، وألا حرج أن تنوي والفاصل يسير بشرط أن يكون داخل الوقت شَرَع في مسائل النية بعد وقوعها، وهذا من ترتيب الأفكار، فبعد أن بيّن لزومها شرع في الأحكام المتعلقة بالنية بعد وقوعها، فهذه النية التي دلّ دليل الشرع على لزومها، لو أن إنساناً تردد فيها أو شك أو قطعها فما الحكم؟ فبعد أن أثبتها بيّن ما ينقضها، فلو أن إنساناً كبّر لصلاة الظهر، ثم قطع هذه النية ونواها نافلةً أجزأه ذلك، ولكن لا تقع عن فرضه، فالنية الأولى وهي نيته للفرض ملغية بقطعه لها، فقوله بالبطلان أي: للنية الأولى.
فقطع النية الأولى بفرضٍ أو نفلٍ يوجب إلغاءها، فلا بد وأن تكون النية باقية؛ لأنه إذا قطعها لم يكن ناوياً، والشرع لا يصحح الصلاة إلا بنية.
فلذلك قالوا: حديث عمر في إثبات النية يدل على أن من قطعها لم ينو، وبناءً على ذلك إذا لم ينو فإن صلاته لا تصح ولا تعتبر لما نواه في ابتدائها، وعلى هذا لو نوى الظهر أو العصر أو المغرب أو العشاء أو الفجر، وفي أثناء الصلاة قطع هذه النية عن فرضه فإن هذا القطع يؤثر ويوجب إلغاء نيته الأولى، لكن لا يُحكم ببطلان صلاته؛ لأنه يمكن الانتقال من الفرض إلى النفل ومن الأعلى إلى الأدنى، فنقول: إذا قطعها واستمر متقرِّباً لله عز وجل فهذا عملٌ صالح، وتبقى نية النافلة المطلقة؛ لأن هذا عمل، فتكون نيته الأولى قد حَلَّ محلها النفل، فتقع صلاته نافلةً وتُجزيه قربةً وطاعة، هذا إذا قطعها أو تردد، أو علق على فعلٍ بالشرط -أي: علّق القطع على الشرط- كما إذا نوت امرأة في نفسها إن قام طفلها فإنها تقطع هذه النية وتقطع صلاتها أو تنتقل إلى النافلة، فهي تريد أن تصلي الظهر أربعاً وتخشى على صبيها، فقالت: لو أتممتها أربعاً ربما خرج، ولكن إذا تحرك الصبي فسأقلِبها نافلة؛ لأن الركعتين أستطيع أن أُسلِّم منهما فأدركه فحينئذٍ إذا علّقت على حركة الصبي، أو على فعلٍ ما فإن النية غير مستصحبة، ولذلك يكون هذا من التردد الموجب لعدم الاعتداد بنية الفرض، وتكون نافلةً كما ذكرنا.