قال رحمه الله تعالى:[باب الخلع] هذا الباب سمي بالخلع أخذاً من خلع الثوب، فالمرأة لباس الرجل، والرجل لباس المرأة، وإذا وقع الخلع والفراق خلع هذا اللباس، وفرق بينهما، فحُلَّت العصمة، ووقع الفراق.
وباب الخلع يذكره بعض العلماء بعد الطلاق، فيؤخر الخلع إلى ما بعد الطلاق، فيذكر مسائل الطلاق والعدد، والإيلاء، والخلع، وبعضهم يذكر الطلاق والإيلاء، ثم الخلع، ثم العدد، وعلى العموم فمنهم من يقدمه على الطلاق، ومنهم من يؤخره، والمصنف -رحمه الله تعالى- قدمه على الطلاق.
ومناسبة تقديمه: أن الخلع رابط بين هذا الباب وبين باب الطلاق، وذلك لأن الخلع إنما ينبني من جهة الحقوق، فالمرأة في الأصل مطالبة بالقيام بحق زوجها، والزوج مطالب بحق زوجته، فإذا وقع بينهما النشوز والنفرة -كما ذكرنا- فإن هذا النشوز قد يكون سبباً في الخلع، فإذا نشز الرجل فأضر بالمرأة أو كان منه أمر يضيق عليها فيه، فإنها تخالعه، وتفتك من أذيته وإضراره بالخلع؛ لأنه لن يطلقها، فأصبح الخلع وسيلة لدفع الضرر؛ لأن الخلع شرع من أجل دفع الضرر والضرر يكون بالنشوز، والنشوز قد يكون بحق وقد يكون بغير حق، وأياً ما كان فالخلع مناسبته للنشوز من جهة وجود الضرر، فإذا كان الخلع مشروعاً لدفع الضرر فالرابط بينهما واضح.
وأما مناسبة تأخيره بعد الطلاق، فلكون الخلع مرتبطاً بالطلاق، والحنابلة لا يرون الخلع مرتبطاً بالطلاق، ولذلك لا يرونه طلاقاً إلا إذا نواه، والجمهور يرونه طلاقاً، فاختلف المنهجان، ولذلك نقول: علم مناسبة الأبواب في المتون الفقهية مهم؛ لأنه ينبني على النظر إلى الباب نفسه، فلما رأى الجمهور أن الخلع نوع من أنواع الطلاق جعلوه بعد الطلاق، والحنابلة لما رأوه باباً مستقلاً، ويوجب الفرقة، ويوجب الفسخ، أعطوه حكماً مستقلاً، وأدخلوه بين الطلاق وبين العشرة الزوجية؛ لأن الخلع يأتي من جهة سوء العشرة الزوجية، فالمرأة تمل زوجها من جهة العشرة، إما لدمامة خُلُقٍ، أو خِلْقِةٍ، ثم تطلب الخلع دفعاً لهذا الضرر الموجود من نشوز، أو من سوء خلقة، أو خلق، فهذا كله يعتبر بمثابة الرابط والوسط بين البابين.