قال رحمه الله تعالى:[ويجتهد العارف بأدلة القبلة لكل صلاةٍ].
قررنا أن المجتهد يجتهد، فإن كان عندك علم أن جهة القبلة في هذه الناحية، فصليت البارحة العشاء في هذه الجهة، فإن أصبحت وجاء الفجر فهل تبقى على اجتهادك الأول أم تجتهد اجتهاداً جديداً؟ لأنه ربما في الليل تهتدي بالقطب، ولكن في ليلة ثمانٍ وعشرين ربما تجتهد بطلوع القمر هلالاً من جهة المشرق، فيكون عندك دليل قد يكون أقوى من استدلالك بالقطب في الليل، فبعض الأحيان قد يحصل عند الإنسان في اجتهاده اختلاف على حسب الأدلة والأوقات، ولذلك قالوا: كل صلاةٍ يستأنف الاجتهاد فيها وهذا هو الصحيح، حتى يكون محصِّلاً للأصل، وهو كونه مطالباً بالنظر والاستدلال.
قال رحمه الله تعالى:[ويصلي بالثاني ولا يقضي ما صلى بالأول].
إذا اجتهد ثانية لا يخلو من حالتين: إما أن يوافق اجتهاده الثاني اجتهاده الأول فلا إشكال، كما لو صلى العشاء على هذه الناحية، فلما استيقظ الفجر اجتهد فوجد أن القبلة على هذه الناحية، لكن الإشكال لو أنه صلى العشاء على هذه الناحية، ثم اجتهد فوجد أن القبلة في هذه الناحية أو على العكس تماماً من الجهة التي استقبلها، قالوا: يصلي على اجتهاده الثاني ومضت صلاته على اجتهاده الأول؛ لما ثبت عند أبي داود والدارقطني والبيهقي وحسنه غير واحد من حديث سعد بن عامر رضي الله عنه:(أنهم كانوا في سفر في ليلةٍ ذات غيم فأرادوا الصلاة فنظروا -أي: اجتهدوا-، فلما أصبحوا إذا بهم على غير قبلة، قال: فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: قد مضت صلاتكم) أي: ما دمتم أنكم اجتهدتم وتحرَّيتم فقد مضت صلاتكم، أي أنها معتبرةٌ وصحيحة.