للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[ما تصح به المزارعة]

قال رحمه الله: [وتصح المزارعة بجزء معلوم النسبة مما يخرج من الأرض لربها أو للعامل] مما هو معلوم للنسبة الثلث الربع النصف ثلاثة أرباع، فمفهوم قوله: (معلوم النسبة) فإنه إذا كان مجهول النسبة فإنه لا يصح، كأن يقول: (أعطيك بعض الخارج) فهو جزء من الأرض لكنه مجهول، وقد تكون النسبة معلومة لكن يدخل عليها شيئاً مجهولاً فيقول له: أعطيك النصف وأحواض من عندي، هذا النصف معلوم والأحواض مجهولة، ولا ندري كم يخرج فيها، فأدخل المجهول على المعلوم، فيصير المعلوم مجهولاً، فبهذا لا بد أن تكون النسبة معلومة، ولا يجوز أن تكون مجهولة.

وقوله: [مما يخرج من الأرض لربها أو للعامل] أي: من زرعها لربها أو للعامل، وهذه المسألة مبنية على مسألة تقدمت في الشركة، بعض الناس يقول: خذ الأرض وازرعها ونصف الزرع لي ثم يسكت ولا يقول: والنصف الآخر لك، فبعض العلماء يقول: لا يجوز حتى يقول: والنصف الآخر لك؛ لأنه لم يحدد له حقه، فحدد نصيبه وسكت عن حق الآخر قالوا: ولا بد أن ينص على حق الشريك الآخر وهو العامل وقال بعض العلماء: إذا قال له: لي النصف صح ولو لم يقل: ولك النصف الآخر، ولو قال: لي الربع، فإن الثلاثة الأرباع تكون للآخر، فهذا معنى قوله رحمه الله: [لربها أو للعامل] أي: بجزء معلوم النسبة مما يخرج من الأرض لربها أو للعامل.

وقوله: (مما يخرج من الأرض) خرج بهذا لو قال له: أستأجرها وأعطيك مائة صاع من الأرز، والأرض فيها زرع آخر دون الأرز، فهذا منعه بعض العلماء وقال: لو قال له: أجر لي مزرعتك سنة وأعطيك مائة صاع من أرز فإنه من الربا؛ لأنه زرع الأرض حبّاً أو طعاماً من الطعام الآخر، فإن كانت من جنس الذي يعطيه إياه فكأنه عاوضه طعاماً بطعام من جنس واحد وصنف واحد، وصار نسيئة للتأخير وفضلاً للزيادة؛ لأنه ربما قال له: أعطيك مائة صاع وتخرج الأرض ثلاثمائة صاع، فصار كأنه أعطى مائة صاع من الأرز في مقابل ثلاثمائة صاع من الأرز، وهذا عين الربا كما بيناه في باب البيع، ويسمى ربا الفضل، وأيضاً أعطاه مائة صاع معجلة بثلاثمائة مؤجلة، وهذا عين ربا النسيئة، وقد بيناها في باب الربا، هذا إذا كان بجزء من غير الأرض.

وإن كان من غير الصنف كأن يزرعها قمحاً ويعطيه أرزاً فإنه يقع الربا من وجه واحد وهو ربا النسيئة؛ لأنه أنسأ وأخر، ولذلك قال المصنف رحمه الله: [بجزء مما يخرج من الأرض] يعني: من الأرض التي اتفق عليها.

[لربها أو للعامل والباقي للآخر] (والباقي للآخر) أي: إذا حدد ماله وسكت عن المال الآخر علم بداهة أنه قصد النصف الآخر له، وهكذا إذا قال: لي الربع، أي: ولك ثلاثة أرباع.

قال رحمه الله: [ولا يشترط كون البذر والغراس من رب الأرض].

هذه مسألة خلافية: بعض العلماء يقول: إذا دفعت الأرض الزراعية للعامل على أن يزرعها، فيجب على رب المال أو رب الأرض أن يقوم بكلفة الحبوب والبذر، فيحضر للعامل البذر ويجب عليه أيضاً أن يحضر له الغراس و (الشتلات) وهو ما يسمى في زماننا (بالشتل) هذا وجه، وهو رواية عن الإمام أحمد رحمة الله عليه.

وهناك وجه ثانٍ: أنه لا يشترط وهو الصحيح؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبعث لأهل خيبر بالبذر، ولم يتكلف صلوات الله وسلامه عليه ذلك، فدل على أنهم كانوا يقومون بها وأنهم كانوا يكفونهم المئونة مطلقاً بشطر أو نصف ما يخرج منها.

[وعليه عمل الناس] أي: على ذلك عمل الناس.

<<  <  ج:
ص:  >  >>