قوله:[المكلف]: والمراد بذلك شرطا التكليف: الأول: البلوغ.
الثاني: العقل.
والتكليف مأخوذ من الكلفة والمشقة؛ والسبب في ذلك أن شرائع الإسلام فيها مشقة مقدور عليها، وأما المشقة غير المقدور عليها فلا يكلف الله بها، فإذا كان الشرع فيه مشقة وكلفة ظهر المطيع من العاصي، ولذلك حفت الجنة بالمكاره حتى يظهر من يمتثل أمر الله ومن يترك.
والتكليف شرطه العقل والبلوغ.
وكل تكليف بشرط العقل مع البلوغ بدم أو حمل فلا يحكم بكون الإنسان مكلفاً بشرائع الإسلام إلا إذا كان عاقلاً، فالمجنون لا يكلف ولا يجب عليه الحج، وهل إذا حج المجنون وأحرم عنه وليه يصح حجه؟ للعلماء وجهان: الأول: من أهل العلم من قال: (إن النبي صلى الله عليه وسلم لما كان بفج الروحاء، وسألته المرأة وقد رفعت صبياً لها فقالت: ألهذا حج؟ قال: نعم ولكِ أجر) قالوا: والمجنون في حكم الصبي، كل منهما فاقد للحلم والعقل، فقالوا: كما صحح النبي صلى الله عليه وسلم حج الصبي يصحح أيضاً حج المجنون.
وبناءً على ذلك إذا أحرم عنه وليه، واستقامت له أركان الحج وشرائط صحته، حكمنا باعتبار حجه وصحته.
الثاني: ومن أهل العلم من قال: المجنون لا يصح منه الحج البتة، لا يحرم بنفسه ولا يحرم عنه وليه، وذلك أنهم يرون أن الصبي استثني بالنص وبقي المجنون على الأصل؛ لقوله عليه الصلاة والسلام:(رفع القلم عن ثلاثة -وذكر منهم- المجنون حتى يفيق).
والمجنون له حالتان: الأولى: إن كان جنونه مطبقاً فإنه لا يجب عليه الحج ولا العمرة، ولا تجب عليه الشرائع؛ لأنه قد رُفِعَ عنه القلم، وَسَقَطَ عنه التكليف.
الثانية: أن يكون جنونه متقطعاً، وهو الذي يجن تارة ويفيق أخرى، فإنه إذا حج في حال الإفاقة وكان قادراً مستطيعاً في حال إفاقته، فإنه يجب عليه الحج ويصح منه.
وأما بالنسبة لشرط البلوغ: فهو أن يبلغ الصبي طور الحلم، وقد بينّا ذلك في كتاب الصلاة، وبينّا تعريف البلوغ وضابطه.
والمراد بذلك أننا لا نوجب الحج على الصبي، ولكن لو حج الصبي وأحرم عنه وليه صح حجه، ولكن لا يجزيه عن حجة الإسلام وفريضته، كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما، لأنه إذا حج في حال صباه كان له نافلة، والنافلة لا تجزئ عن الفريضة، والرقيق إذا حج حال رقه فإنها كذلك نافلة؛ لأن الله لم يوجب عليه الحج، فإذا عتق العبد وبلغ الصبي لزمهما أن يعيدا حجهما وعمرتهما.