فلما دفع عليه الصلاة والسلام إلى مزدلفة ولما قال له أسامة:(الصلاة يا رسول الله! قال: الصلاة أمامك) أخذ بعض العلماء من هذا دليلاً: أن السنة أن يؤخر صلاة المغرب ولا يصليها إلا بمزدلفة، حتى قال بعض العلماء: حتى ولو وصل إلى مزدلفة قرب الفجر، يعني: في أوقات الضرورة فإنه يؤخر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(الصلاة أمامك)، وهذا مذهب الحنفية، وكان بعض العلماء يشير به إلى تمسك الإمام أبي حنيفة بالسنة، ولذلك قالوا: إن الإمام أبا حنيفة رحمة الله عليه كان يجتهد كثيراً لقلة الأحاديث عنده، وكان يخاف الوضع على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث كان في المشرق، والأحاديث هناك قليلة، ولذلك قال الإمام الشافعي لصاحب أبي حنيفة محمد بن الحسن: أناشدك الله أصاحبنا أعلم بالسنة، أم صاحبكم؟ قال: اللهم صاحبكم.
فكانت السنة قليلة عنده رحمة الله عليه فكان يجتهد كثيراً.
ولذلك لما جاء هذا الحديث وقال فيه أسامة:(الصلاة يا رسول الله! قال النبي صلى الله عليه وسلم: الصلاة أمامك) قال الإمام أبو حنيفة: لا تصلى إلا بالمزدلفة، وهذا يدل على أن الأئمة رحمة الله عليهم الظن بهم أنهم لا يتركون سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه تزكية لهذا الإمام الجليل رحمة الله عليه، وأن ما كان منه من اجتهادات إنما كان سببها عدم بلوغه النص، فالواجب على من تبعه ورأى اجتهاده يعارض النص أن يعدل إلى النص؛ لأن هذا من متابعته رحمة الله عليه.
فقوله عليه الصلاة والسلام:(الصلاة أمامك) قال العلماء: إنه يؤخر المغرب حتى ولو وصل في وقت العشاء، ولكن لو وصل إليها مبكراً -كما هو الحال الآن- في وقت المغرب، فإنه يجمع جمع تقديم، والمسافة بين المزدلفة وبين عرفات طويلة وتأخذ وقتاً، والغالب أنه لا يصل إلى بعد دخول وقت العشاء، ولذلك قالوا: إن السنة أن يجمع سواء كان جمعه جمع تقديم أو جمع تأخير.
قوله:(بسكينة) أي: بهدوء، وهي مأخوذة من سكن الشيء إذا استقر.
قوله:(ويجمع بها بين العشاءين) هذا من باب التغليب كالقمرين والعمرين من باب التغليب، وكما ذكرنا إما أن يجمع جمع تقديم أو جمع تأخير.