[دلائل الشريعة جاءت بالحكم بالظاهر دون الالتفات إلى الباطن]
السؤال
إذا راجع الزوج زوجته دون أن يكون هناك إشهاد وعدم العلم من الغير، ثم بعد خروج المرأة من العدة أخبرها فأنكرته، فعلى القول بأن القول قولها هل تكون زوجته ديانة؟
الجواب
هذه المسألة من حيث الأصل أنها زوجته إذا ثبتت الرجعة، خاصة على مذهب جماهير العلماء الذين لا يرون الإشهاد شرطاً لصحة الرجعة.
وأما على مذهب الظاهرية الذين يرون أن الإشهاد شرط لصحة الرجعة فلا تكون زوجة له؛ لأنهم يرون أن الإشهاد شرط، ولم يقع الشرط الذي يحكم عند وجوده بصحة الرجعة.
والصحيح ما ذهب إليه الجماهير أنه لا يشترط لصحة الرجعة الإشهاد، بل ليس الإشهاد بواجب كما ذكرنا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ابن عمر أن يراجع زوجته ولم يأمره بالإشهاد، وصُرف الأمر عن ظاهره المقتضي للوجوب إلى الندب والاستحباب.
وإذا ثبت هذا فهي زوجته ديانة بينه وبين الله، وأجنبية عنه قضاءً، فلو أنه وطئها ورفع إلى القاضي وليس عنده دليل على رجعتها فإنه يرجم ويقتل؛ لأنه زانٍ في هذه الحالة؛ وهي أجنبية منه، فلو وطئها دون أن يعقد عليها فيحكم بكونه زانياً والعياذ بالله.
أما لو أنها بقيت ودخل بها الزوج الثاني وعقد عليها فالحكم قضاءً أنها زوجة الثاني؛ لأننا مأمورون بالأخذ بالظاهر، قال صلى الله عليه وسلم: (إنما أمرت أن آخذ بظواهر الناس) فما دام أنه قد فرط في حقه حتى خرجت من عدتها فالله حكم حكماً أنها زوجة الآخر قضاءً.
والحكم القضائي لا يؤثر في الحقيقة شيئاً، الزوج الثاني الذي تزوجها هو زوج شرعي، وهي زوجة شرعية؛ لأن هذا حكم الظاهر، وليس هناك دليل يدل على أنه راجعها.
فهذا في حقوق المخلوقين، والله جعل أحكام الظاهر حتى في الحق بينه وبين عباده، فلو أن رجلاً جاء ودخل المسجد وهو يظن أنه متوضئ والواقع أنه غير متوضئ، وبقي على هذا بقية عمره وما تبين له أنه أخطأ، فصلاته تجزيه؛ لأن هذا الذي كلفه الله على الظاهر.
وكذلك لو أنه شك هل خرج منه ريح أو لم يخرج، فأوجب الله عليه أن لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً، لحديث عبد الله بن زيد في الصحيحين.
فإذا صلى والواقع أنه كان قد خرج منه شيء لكنه لم يسمع صوتاً ولم يجد ريحاً برئت ذمته، وصحت صلاته؛ لأن الذي تعبده بالوضوء تعبده أن يصلي على الأصل الظاهر.
والذي تعبدنا بخروجها من عدتها وحلها للزوج الأول هو الذي حكم بهذا الظاهر، ولذلك لو أن رجلاً قذف امرأة بالزنا والعياذ بالله، وقد رآها بعينه تزني، فإنه يحكم بجلده حد القذف، ويحكم بكونه كاذباً {فَأُوْلَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [النور:١٣].
مع أن الآية نصت على أن من رمى امرأة محصنة بدون دليل أنه عند الله من الكاذبين، والمراد بقوله: (عِنْدَ اللَّهِ) أي: في حكم الله وشرعه.
وفي الحقيقة لو أنه كان صادقاً أو أقام ثلاثة شهود عدول كلهم رأوها على الزنا والعياذ بالله، وثبت عندهم الزنا وشهدوا به، فكلهم يجلدون حد القذف إذا لم يشهد الرابع، وهؤلاء ثلاثة عدول من المسلمين كلهم شهدوا عليها بالزنا، فإننا نحكم على أنها برئية ومحصنة؛ لأن هذا هو حكم الله عز وجل.
وهذا شيء من العدل الإلهي الذي تنزل من الخبير سبحانه وتعالى، ولا أصدق منه قيلاً، ولا أحسن منه حكماً: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [الأنعام:١١٥] فهذا الحكم الرباني على الظاهر.
ولذلك ترتاح القلوب، وتبتهج النفوس بزوال الوساوس، ولو فتح باب هذه الظنون اليسيرة لما استطاع رجل طلق امرأته أن تعود له زوجته من كثرة الشكوك والحكم بالأدلة الضعيفة.
فالحكم بناءً على الظاهر، والظاهر مرتبط بأصول شرعية إذا وجدت حكم بالحكم الشرعي كما هو، وإذا تخلفت حكمنا بالأصل الذي حكم الله عز وجل به، ولا شك أن هذا هو عين العدل والحكمة، فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله {لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ} [الأعراف:٤٣].
والله تعالى أعلم.