المسألة الثالثة: إنما يحرم لبس المخيط على الرجل، أما المرأة فإنها تلبس المخيط، ويكون إحرامها في وجهها وكفيها، ويكون المحظور عليها من اللباس أن تنتقب أو تلبس القفازين؛ لما ثبت في صحيح البخاري من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(لا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين)، فثبت في هذا النص أن إحرام المرأة في الوجه والكفين، ولكن إن مرّ عليها أجانب أو اشتد عليها برد أو لفحتها ريح فسدلت خمارها -والسدل أن يكون غطاء للوجه دون أن يمس بشرة الوجه- فلا حرج ولا فدية عليها؛ بشرط عدم مماسة الغطاء لبشرة الوجه، وذلك لحديث أسماء، ويروى عن عائشة وقد تُكلم في سنده، ولكن الصحيح عن أسماء أنها قالت:(كنا إذا مر بنا الركب سدلت إحدانا خمارها، حتى إذا جاوزنا كشفت)، وهذا يدل على مشروعية السدل عند رؤية الرجال الأجانب.
أما بالنسبة للرجال، فكما يحرم عليهم لبس المخيط في أعالي البدن، كذلك أيضاً يحرم عليهم ستر القدمين، ولذلك لا يلبس المحرم الخف ولا البلغة ولا نحوها من الأحذية التي تغطي أغلب القدم، أو تغطي الأصابع، والأصل في ذلك حديث ابن عمر في الصحيحين:(ولا الخفاف -أي: لا تلبس الخفاف- إلا أحدٌ لا يجد النعلين فليلبس الخفين وليقطعهما أسفل من الكعبين)، فدل هذا الحديث الصحيح على أنه لا يجوز للمحرم أن يلبس حذاءً يغطي قدمه أو أغلب قدمه، بل يلبس الحذاء الذي لا يغطي أغلب القدم، وإذا كان الحذاء يغطي جزءاً من القدم فإنه ينبغي أن تكون أصابعه مكشوفة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(وليقطعهما أسفل من الكعبين)، وبناءً على ذلك تكون الأصابع مكشوفة، وعلى هذا فلو كان الحذاء يغطي رءوس أصابع القدمين فإنه لا يجوز لبسه، كالبلغة التي تكون مستورةً أول القدم، فهذه لا تلبس، وهكذا الشراريب لا تلبس، قالوا: وعلى هذا لو نام المحرم فلا يغطي قدميه؛ لأنه أُمِرَ بكشفهما، فنهيه عليه الصلاة والسلام عن لبس الخفين يدل على أن مقصود الشرع إظهار القدمين، وعلى هذا الفتوى عند الجماهير رحمة الله عليهم.