قال المصنف رحمه الله:[وهو لزوم مسجد لطاعة الله تعالى] الضمير (وهو) عائد للاعتكاف؛ كأنه يقول رحمه الله: حقيقة الاعتكاف عندنا معشر الفقهاء والعلماء لزوم المسجد.
هذا المسجد مفهومه: المسجد مَفْعِل من السجود، والمراد بذلك المسجد المعهود، وليس المراد به كل موضع يسجد عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً) فالمراد بالمسجد هنا: المعهود الذهني، وهو المسجد المعروف الذي إذا أطلق في الشرع انصرف إليه الحكم، فلا يشمل المصلى، والمصلى: هو الذي تفعل فيه بعض الصلوات دون بعضها.
فالمُصَلَّى لا يعتكف فيه، أي: ليس محلاً للاعتكاف، ودليل ذلك قوله سبحانه:{وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ}[البقرة:١٨٧] فدل على أن الاعتكاف يختص بالمساجد.
وبناءً عليه قالوا: لو كان المعتَكَفُ مصلًّى فإنه لا يعتكف فيه؛ وإنما يعتكف في المسجد.
ثم المسجد ينقسم إلى قسمين: هناك مسجد يجُمَّع فيه، وهناك مسجد لا يجمَّع فيه.
والمراد بقولنا:(يجمّع فيه) أي: تصلى فيه صلاة الجمعة؛ فالمسجد الذي تصلى فيه الجمعة بالإجماع يعتكف فيه.
وأما المسجد الذي لا يجمّع فيه، ففيه تفصيل: إن كان قد أوجب على نفسه أن يعتكف العشر الأواخر فحينئذٍ ينصرف إلى مسجد يجمّع فيه؛ والسبب في ذلك: أنه إذا نذر اعتكاف العشر الأواخر أو أوجبها على نفسه فإن هذه العشرة الأيام ستتخللها الجمعة قطعاً، وبناءً على ذلك لابد وأن يكون في موضع أو مسجد يجمّع فيه، ومن هنا يقولون: إنه لابد وأن يكون اعتكافه للعشر كاملة في مسجد يجمّع فيه؛ لأنه لو اعتكف في مسجد لا تقام فيه الجمعة فسيكون مضطراً إلى الخروج لصلاة الجمعة، وحينئذٍ يفسد اعتكافه بالخروج إذا كان قد نذر اعتكاف العشر كاملة.
أما إذا كان اعتكافه اعتكاف طاعة وقربة ولم يقصد به العشر كاملة، فإنه يصح في المسجد الذي يجمّع فيه والمسجد الذي لا تكون فيه الجمعة، لكن بشرط: أن تكون فيه جماعة؛ لأنه مخاطب بشهود الصلاة مع الجماعة، وبناءً على ذلك لابد وأن يكون اعتكافه في موضع تقام فيه الجماعة بالصلوات الخمس.
وبناءً على ما سبق: فلا يصح الاعتكاف في مسجد لا تقام فيه الجمعة إن كان مريداً لاعتكاف العشر كاملة، أو أوجبها على نفسه، وأما بالنسبة للمسجد الذي لا يجمّع فيه وتقام فيه الجماعة، فإن الاعتكاف فيه صحيح، إذا لم يكن قد أوجبه على نفسه وفرضه.