فإذا ثبت أن الذي به سلس البول أو سلس المذي يشبه المستحاضة من كل وجه؛ لأن هذا خارج نجس من قُبل وهذا خارج نجس من قُبل، فهل هناك شبيه للمستحاضة في خارج من غير القُبل؟ نقول: نعم، مثل الذي به الناسور -أعاذنا الله وإياكم منه- فإن النواسير تكون في داخل الفرج، وتستطيع أن تعطيها حكم الاستحاضة، ولماذا فرقنا بين الناسور والباسور؟
الجواب
لأن البواسير تارة تكون على فتحة العضو -فتحة الشرج- وتارة تكون منحازة، بحيث إنه إذا خرج منها الدم يخرج من الخارج، لا من الفتحة نفسها ولا من الداخل، فهناك فرق بين الناسور والباسور، فإن الناسور إذا خرج من الداخل كان دماً كعرق الاستحاضة الذي يخرج الدم من داخل، والباسور يخرج دماً لكنه ليس من الموضع، فشابه الاستحاضة من جهة النجاسة لكنه لم يشابه من جهة التأثير في نقض الطهارة، ولذلك فالبواسير لا توجب انتقاض الوضوء، ولكن الناسور إذا كان داخل الدبر فإنه يوجب انتقاض الوضوء، وبناءً على هذا تقول: من به سلس المذي وسلس البول يشبه المستحاضة من كل وجه؛ لأن العضو واحد من جهة كون هذا قبلاً وهذا قبلاً، والخارج موصوف بأوصاف مكتملة، فيكتمل القياس من كل الوجوه، وهناك خارج مع اختلاف النوع، مثل من به بواسير أو نواسير من داخل الفرج لا من خارجه.
ومن به ناسور أو من به سلس البول ومن به سلس المذي فإنه يفصل فيه كالمستحاضة؛ فإن كان هذا الناسور يخرج قطرات يسيرة، ويمكن للشخص أن يعيد الوضوء، وأن يغسل الموضع، وأن يغسل الثوب دون حرج شديد فحينئذٍ نقول: أنت باقٍ على الأصل؛ لأن غسل المرة والمرتين ليس فيه حرج، لكن لو أن هذا الناسور -والعياذ بالله- نزف وغلب صاحبه، خاصة في أيام مثل أيام الشتاء التي يصعب معها الغسل ويصعب معها إصابة الموضع مع وجود الجروح، وقد ينصح الأطباء في بعض الأحيان بعدم الغسل؛ لخوف الالتهاب أو نحو هذا، فحينئذٍ نقول: حكمه حكم المستحاضة، فإن استطاع أن يغسل الموضع غسله، وإذا لم يستطع فعند بداية وقت الصلاة يطهر الموضع إما بحجر وإما بمنديل أو ورق أو نحوه من الطاهرات، ثم إذا كان الدم يتقاطر فنقول: احشه بقطنة أو احشه بمنديل، ثم بعد ذلك يصلي كالمستحاضة سواء بسواء، هذا بالنسبة لمن به الناسور أو الباسور.
أما من به سلس البول أو سلس المذي فننظر فيه، فإن كان سلس البول قليلاً يخرج معه قطرة أو قطرتين، بحيث إن بإمكانه أن يذهب إلى مكان قضاء الحاجة وأن يغسل الموضع، ويغسل البول الذي يصيب الثوب، نقول له: يجب عليك فعل ذلك؛ لأنه لا يصل إلى درجة المشقة، والتكليف أصلاً فيه كلفة، وهذا ابتلاء من الله عز وجل يعظم به أجرك ويعظم به ثوابك، فالذي ينتقض وضوءه بقطرات من البول -مثلاً- مرة أو مرتين بحيث لا يوجب حرجاً؛ فهذا تُلزمه بالأصل، فلو قال لك قائل: أدخل الحمام الساعة الرابعة إلا ربعاً على أذان العصر، ثم إني بعد أن أقضي بولي أقوم فأتوضأ، فتخرج مني القطرة والقطرتان بعد الوضوء، فتسأله: ثم ماذا بعد ذلك؟ فهذا لا يخلو من حالتين: الحالة الأولى: إن قال: تخرج قطرة أو قطرات وينتهي كل شيء، فنقول: اذهب واغسل العضو والموضع، واغسل ما أصاب الثوب من نجاسة ثم أعد الوضوء؛ لأنه تكليف بما في إمكان الإنسان وفي وسعه.
الحالة الثانية: أن يقول: أستطيع أن أذهب وأتوضأ، ولكني لو أعدت الوضوء فإنه يحصل نفس الشيء بعد أن أتوضأ بعشر دقائق فتخرج قطرة، نقول له: فلو أعدت مرة أخرى؟ فلو قال: نفس الشيء حتى بعد المرة الثالثة والرابعة.
فهذا به سلس، والسلس لا بد أن يكون مستمراً، وبناءً على ذلك نقول: حكمه حكم المستحاضة، فيجب عليه أن يبدأ فيغسل العضو، ثم بعد غسله للعضو يضع في رأس العضو القطنة ونحوها، قال بعض العلماء: مع شد العضو، أي: يضع لفافة على رأس العضو تحبس، ولكن الأطباء يرون أن هذا فيه ضرر، وأن فيه عواقب وخيمة، فإذا ثبت قولهم: فلا يكلف به؛ لأن قبل الرجل ليس كقبل المرأة، فأمرت المرأة بالعصب لعدم وجود الضرر، والرجل لا يؤمر بالعصب لمكان الضرر؛ لأن الشريعة لا تأمر بالضرر، ولذلك من قواعدها الخمس المتفق عليها:(الضرر يزال)، وهي إحدى القواعد الخمس التي يقوم عليها الفقه الإسلامي، فلا يؤمر الإنسان بما فيه ضرر.
هذا بالنسبة لمن به سلس البول ومن به سلس المذي والنواسير.