الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خير خلق الله أجمعين، وعلى آله وصحبه ومن سار على سبيله ونهجه إلى يوم الدين.
أما بعد: فيقول المصنف رحمه الله: [كتاب الأطعمة] الأطعمة جمع طعام، واختلف العلماء رحمهم الله في حقيقة الطعام شرعاً على وجهين: الوجه الأول: أن الطعام ما يؤكل ويشرب.
الوجه الثاني: أن الطعام ما يؤكل مطلقاً.
وفائدة هذا الخلاف: هل يدخل الماء في المطعومات أو لا يدخل؟ وهكذا بقية المائعات، فالذين قالوا: إن الشراب والمائع يدخل في الطعام، احتجوا بقوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي}[البقرة:٢٤٩]، فقالوا:(ومن لم يطعمه) وقد انصرف ذلك إلى الماء، فدل على كون الماء مطعوماً، كذلك استدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم في زمزم:(إنها طعام طعم، وشفاء سقم) قالوا: فهذا يدل على أن الماء والمائع يكون طعاماً، ومن هنا قالوا: إن الحقيقة الشرعية تشمل هذا -أعني: المأكول والمشروب-.
ومن فوائد ذلك: جريان الربا في الماء، فلو قلنا: إن الشريعة إذا أطلقت الطعام تقصد به المأكول والمشروب، فمعنى ذلك أنه يدخل في عموم الحديث الذي رواه معمر بن عبد الله:(أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الطعام بالطعام إلا مثلاً بمثل)، ومن هنا لا يجوز بيع الماء بالماء إلا متماثلاً ويداً بيد، بناءً على أنه يدخل في الطعام الشرعي.
وقوله رحمه الله:(كتاب الأطعمة) أي: في هذا الموضع سأذكر لك جملة من الأحكام والمسائل التي تتعلق بما أحل الله وما حرم، وما كره للعبد أن يطعمه.
وهذا الباب باب عظيم؛ لما يشتمل عليه من بيان أحكام ومسائل شرعية تعم بها البلوى، ويحتاج المسلم إليها في نفسه وفي أهله وفي الناس جميعاً، ولما في الطعام الطيب والأكل من الطعام الطيب، أو من الطيبات من الخير العظيم للإنسان؛ لأن الله يزكيه بذلك حتى تستجاب دعوته، وتقبل دعوته إذا طاب مطعمه، قال صلى الله عليه وسلم:(أطب مطعمك؛ تستجب دعوتك).
وقد جمعها رحمه الله في قوله:(الأطعمة)؛ لأنها أنواع من حيث الحقيقة، فهناك أطعمة نباتية، وهناك أطعمة حيوانية، وهناك أطعمة من الجمادات، وكذلك أيضاً لاختلاف أنواعها الشرعية: فهناك طعام محرم، وهناك طعام مباح، وهناك طعام مكروه، فنظراً لتعددها قال رحمه الله:(كتاب الأطعمة).