وقوله:(ومن أتلف محترماً) الإتلاف له ثلاثة أركان يقوم عليها، ومسائله عند أهل العلم مبنية على هذه الأركان الثلاثة، فعندنا متلف وشيءٌ يتلف أي: يقع عليه الإتلاف، والإتلاف نفسه، هذه ثلاثة أركان تقع بها جريمة الإتلاف إذا كانت عمداً، وحينئذٍ يرد السؤال عن أحكام هذه الأركان الثلاثة، وقد جمعها المصنف رحمه الله بقوله:(ومن أتلف محترماً)(من) هذا الشخص الذي يقوم بالإتلاف (أتلف) الفعل، (محترماً): المكان الذي وقع عليه الإتلاف، فالأحكام تتعلق بهذه الثلاثة الجوانب.
فقوله:(ومن): من صيغ العموم وتشمل الذكور والإناث، والصغار والكبار من حيث الأصل إلا إذا دلّ الدليل على استثناءٍ في الخطاب، لكن من حيث العموم هي عامة شاملة للذكر والأنثى والصغير والكبير حتى أن الصبيّ لو أتلف شيئاً محترماً ولو كان عمره سنة فدفع برجله شيئاً فكسره وذلك الشيء ملكٌ للغير يجب ضمانه.
الشيء المتلف: أي: شيء فيه مصلحة، لكن بشرط أن يكون محترماً شرعاً، فإذا كان الشيء له احترام وله أصل يدل على جوازه وإباحته، فإنه حينئذٍ يضمن إذا تلف كما سنبين إن شاء الله تعالى، ويشمل هذا إذا أتلف آدمياً من حيث الأصل، أو أتلف حيواناً أو بهيمةً فقتلها وأتلفها، أو أتلف نباتاً كزرعٍ أحرقه أو قلعه من الأرض فمات، أو أتلف الثمر قبل نضجه فقصه من النخلة، هذا بالنسبة للشيء المتلف سواءً كان حيواناً من الحيوانات آدمياً وغيره، أو من غير الحيوانات، كالزجاج والخشب، ونحو ذلك.
نبدأ بقوله:(ومن) قلنا: يشمل الصغير والكبير، فنبدأ بالكبير، فالكبير البالغ العاقل، إذا أتلف شيئاً على حالتين: إما أن يتلفه متعمداً قاصداً إتلافه، وإما أن يتلفه مُخطئاً.
مثال ذلك: لو أن رجلاً أخذ (منجلاً) وقلع نباتاً لجاره وقصد إتلاف النبات على صاحبه، فحينئذٍ هذا إتلاف موجب للضرر على سبيل العمد، فإذا وقع هذا النوع من الإتلاف من الكبير البالغ العاقل، سواءً وقع إتلافه على حي كحيوان أو غير الحيوانات، فيترتب عليه أمران: الأمر الأول: عقوبةٌ شرعية.
الأمر الثاني: الضمان من حيث الأصل.
فلو جاء وأتلف زرع جاره واشتكى جاره إلى القاضي، وقال القاضي: لمَ أتلفت زرع جارك؟ قال: أنا متعمد قاصد أريد أن أفسد ماله.
فالقاضي يعزره ويؤدبه -وسنبين أحكام التعزير في باب التعزير، لا نتكلم هنا على عقوبته إذا كان متعمداً فلها باب خاص، إما أن تكون عقوبة مقدرة كما في الجنايات على الأرواح والأنفس وهذه لها باب خاص وهو باب القصاص ومسائل الاعتداء على النفس والأطراف- وتفصل فيه مسائل الاعتداء على النفس والأطراف، وفي هذه الحالة: إذا كان الكبير البالغ قد جنى جنايةً عمداً نعاقبه بما يليق به، ويطالب بضمان المال الذي أتلفه على أخيه المسلم بشرط أن يكون هذا المال محترماً شرعاً.